أخبار عاجلة

 الكندي فيلسوف العرب والمسلمين – ج 2

 

بقلم / الدكتور عادل  القليعي -أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان .

توقفنا في المقال السابق بالأمس عند الحديث عن مسألة التوفيق بين العقل والنقل،او الفلسفة والدين،وتعرفنا علي وجهة نظر الكندي وأنه ليس ثم تعارض بينهما اللهم إلا اختلفا في منهج رجل الدين والفيلسوف في وصولهما إلي كنه الحقيقة،لكن الغاية واحدة ألا وهي إصابة الحق.

ننتقل في هذا المقال الي الحديث باختصار عن باقي فلسفة الكندي،وحديثه عن الالهيات،وجود الله ،وحدانيته ، أدلة وجوده صفاته،العالم هل هو حادث أي مخلوق أم قديم قدم الذات الإلهية.وكذلك عن فلسفته الخلقية.

وجود الله ووحدانيته،قدم الكندي عدة أدلة أثبت من خلالها وجود الله تعالي،وان كنا نري أن الله تعالي واضح بذاته لا يحتاج دليلا علي وجوده،فكيف يستدل علي الكامل الله تعالي من خلال الناقص،الهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك.

ليس هذا وحسب ،ولكن أليس عجزنا عن إدراكه ادراك،فالعجز عن الإدراك إدراك والخوض في الذات اشراك،وعقولنا قاصرة عن إدراك الحقيقة كاملة،لكنها سنة كونية العقل بدوره يريد أن يبحث وينقب وهذا دأب وديدن الفلاسفة،ليس الفلاسفة فقط بل الإنسان بما هو كذلك وبفطرته يحب أن يغوص في المجاهيل منقبا بحاثا عن أصل الكون ومن منشأه والي اين هو صائر،وما مصيره،وما حقيقة العالم الآخر،وما حقيقة البعث،وغيرها من الأمور الماورائية الميتافيزيقية.

قدم الكندي عدة أدلة أثبت خلالها وجود الله تعالي .أولها/دليل الحدوث،أو الخلق،فالكون بكل ما فيه ،عالم ما فوق فلك القمر وعالم ماتحت فلك القمر العالم الطبيعي،حادث مخلوق وبما أنه كذلك فلابد من علة أوجدته واخرجته من حيز الوجود بالقوة إلي حيز الوجود بالفعل هذه القوة علة قديمة، هي الله تعالي.

وثاني هذه الأدلة دليل الوحدة والكثرة،فكل الأشياء التي نراها في هذا العالم اماوحدة واما كثرة،او وحدة وكثرة في آن واحد،والكندي ابطل الافتراضيتن الأوليتن،فيبقي الافتراض الثالث أن العالم به وحدة وكثرة،وهذه الكثرة التي نراها تكون معلولة لبعضها البعض،اي نشأت عن بعضها البعض،ولايمكن أن تتسلسل الي مالانهاية ومن ثم ضرورة وقوفها عن علة العلل مسبب الاسباب جميعها،العلة الفاعلة العلة الواحدة الله سبحانه وتعالي.

أما ثالث هذه الأدلة فهو دليل النظام أو التدبير والعناية فالعالم بكل مافيه علي مافيه منظم بإتقان وأحكام وجعل بعضه عللا لبعض لأكبر دليل علي وجود المبدع المنظم الذي احسن كل شيئ خلقه.

يري الكندي أن الله في العالم كالنفس في البدن،فكما أن النفس هي التي تتولي تدبير البدن بقواها المختلفة المنمية،الغازية،المتخيلة العاقلة،كذلك الله سبحانه وتعالي هو الذي يتولي تدبير هذا الكون بكل مافيه بنظام متقن وابداع فريد لا يحيد ولايميد قيد أنملة عن عناية الله تعالي.هذا عن أدلة وجود الله تعالي عند الكندي.

وحدانية الله تعالي/الله تعالي واحد احد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد،فالله واحد بالذات واحد بالصفات،ولما كانت الوحدة أخص صفات الله،ذهب الكندي يبرهن بطرق مختلفة علي وجودية تلك الوحدة في الله ويوضح أنه لا تجوزفيه الكثرة،لانه ليس له صورة اومادة.او كمية اوكيفية أو إضافة ولا موصوف بشيئ من باقي الأمور التي تطرأ علي المحدثات المخلوقات،ولا ذو جنس ولا فصل ولايتشخص ولا يتجزأ ولا يتبعض،ولا ذو عرض ولا عمق ولا ارتفاع فالله منزه عن كل هذه الأشياء.وكذلك فالله ليس متحركا بل هو ثابت لأن كل ماهو متحرك يحتاج إلي من يحركه.
فالله هو وحدة محضة خالصة.

ومن الصفات الفلسفية التي أثبتها الكندي صفة الازليةومعني الأزلية،اي أن الله تعالي ازلي موجود منذ الازل،وليس محتاج في قوامه ووجوده الي غيره.والازلي هو مالا يستحيل اويتغير بل هو تام وكامل الوجود،لان الاستحالة تبدل وانتقال من حال الي حال،والازلي لا يطرأ عليه الفساد،والازلي لايتحرك لأن في الحركة تبدل،وللازلي فعل خاص به هو الابداع والإبداع هو إيجاد الشيئ من اللاشيئ.،اي إيجاد من العدم.

موقف الكندي من مشكلة العالم/أثبت الكندي أن العالم حادث مخلوق،عن طريق فكرة التناهي،تناهي الاجسام،الزمان،الحركة.عن طريق تناهي جرم العالم،وبالتالي اثبات تناهي زمان العالم علي اساس تناهي حركته.
يقوم هذا الدليل علي مقدمتين أساسيتين هما/استحالة وجود مالا نهاية فالخط المستقيم له طرفين بداية ونهاية،فليس ثم زمان ولا مكان،ولاحركة بلانهاية

.اما المقدمة الثانية/كل متناه حادث،وكل حادث لابد أن يكون له محدث أحدثه.ومن هنا فالعالم حادث مخلوق.

فلسفته الخلقية/أقام الكندي فلسفته الأخلاقية علي فكرة السعادة التي من الممكن تحققها إذا حدث توفيق بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح.
يري الكندي أن الفضائل الإنسانية هي الخلق المحمودوهي تنقسم قسمين،احدهما في النفس ،والاخر مما يحيط ببدن الإنسان من الآثار الكائنة عن النفس.

عرف الكندي الفضيلة بأنها وسط وأطرافها مرزولة،واعطي أمثلة على ذلك فالشجاعة وسط بين طرفين مرزولين هما الجبن والتهور.
ولكن ليس معني ذلك أن الفضائل دائما هي اوساط بين طرفين،لان هناك فضائل لايكون وسطها هو الفضيلة،مثل صفة العدالة.

للكندي رسالة في معالجة النفوس وكيف تصير سعيدةهي رسالة الحيلة لدفع الاحزان،وهو يعرض فيها لطب النفس ويفرقه عن طب الجسد ويبين أهمية طب الأنفس بأنه يعالج الاحزان باعتبارها آلام للنفس والنفس هي المدبرة للجسد فكان علاجها أولي من علاج الجسد.واذا ما تحقق علاج النفس وتهذيبها وترويضها علي الفضائل تحققت السعادة للإنسان وتحققت حتي الصحة البدنية.

تلك هي فلسفة الكندي فيلسوف العرب الذي إن جاز لي القول فقد اقتفي الأثر اليوناني وظهر ذلك واضحا جليا عند حديثه عن الفلسفة الطبيعة وحديثه عن تناهي الزمان والحركة،وكذلك عن طريق حديثه عن السعادة والفضائل والوسط ألاخلاقي.

كذلك ظهر جليا لنا تأثر الكندي بموروثه العقدي في تعريفه للفلسفة،وكذلك في محاولة توفيقه بين الفلسفة والدين واعلائه من شأن النبوة وأنها اصطفاء من الله تعالي وان علومها وهبية علوم لدنية.
أشكركم شكرا جزيلا.
.

شاهد أيضاً

لا تستقبلوا العام الجديد بانطفاء الأنوار و انطفاء الشموع

    كتبت: زهراء محمد شحاتة تم النشر بواسطة: عمرو مصباح استقبلوها بالنور ولو ولعتو …