العين وسلك المواعين

العين وسلك المواعين
بقلم رجب أبو الحسن

عارف الولد الصغير بتاع فصل أولى أول اللي أحرجته قدام زمايله لما قلت له إنه إنسان سيئ وإنه مش متربي، ولا هينفع، وكمان مستقبله ع الأرصفة، الولد ده هو نفسه اللي اتعلم يشرب سجاير من وهو في إعدادي، وهو برضو اللي بجح في مدرسه في امتحان آخر السنة، واللي كل امتحان بيعمل مشكلة مع المدرسين اللي بيلاحظوه في اللجان، وده نفس الولد اللي كسر إزاز رئيس لجنة المراقبة في امتحان تالتة إعدادي، واللي حضرتك ما تعرفوش إنه نفس الشاب اللي فتح مطوة على جاره لما كان ببكلمه بخصوص صوته العالي اللي مغلوش على ابنه ومخليه مش عارف يذاكر وقدامه يادوب أسبوع ويبتدي امتحانات الصف الثالث الثانوي، وكان عنده كتير طموح قبل ما إبن أولى أول اللي حضرتك هنته قدام زمايله من سنين يطعنه، فيحتاج عملية خطيرة، علشان يادوب يقدر يتنفس..

أنا عارف طالعة سمرا لمين، وسلك المواعين ده اللي فوق راسك بتاع مين، كاسفاني كده دايماً في وسط أهلي، كل اخواتك بيض وشعرهم ناعم، طالعة لمين قولي لي، ما فيش غير عمتك القرشانة، وتطلعي لها، بتقولي إيه يا ست أنتي، إيه كمية التنمر دي؟ وبعدين بتتنمري على مين؟ بنتك؟ لا إله إلا الله، بعدين ماله سمارها، ولا بياض جنابك؟ يثبتوا إيه يعني؟ ومين قالك إن الجمال بياض ولاسمار؟ أومال إيه يا أخويا، الجمال في الرمادي؟ لا ياستي، الجمال ما لوش علاقة بلون بشرة، ولا هو في الشعر الناعم أو الكيرلي، و لا شكل ملامح، ولا هو أصلا بيتشاف، نعم؟ زي ما بقولك كده، الشكل اللي بره ده ما يثبتش إن جوه جميل، ما بضاعة كتير كتير بيغرنا شكلها، وقوام نشتريها فاكرين انها مية مية، أسبوعين تلاتة وتنكسر وتبوظ، لأن جواها هش، ومش أصيل..

فاكر الواد بتاع أولى أول اللي بهدلته قدام أصحابه؟ ماله يا سيدي؟ حملني بقى كل أوزاره؟ لا ياسيدي الحقيقة إنك مش هتشيل كل أوزاره، اه أنت مسئول ، وشريك في صنع هذا المجرم، لكن فيه كمان شركا تواطأتم دون لقاء أو سابق اتفاق، تقصد مين؟ الولد ده اتربى في أسرة تفتقد لأي نوع من الدعم الوجداني، حضرتك كنت بتكسر ضلع في المدرسة، وضلع تاني كان بينكسر في البيت، مش كده وبس، الولد فضل يكبت ويكبت كل مشاعر الخزي، والخوف، والحزن، وخيبة الأمل، والرغبة في الانتقام، عاش فترة طويلة مش قادر يعبر عن كل دول، ولما بدأ يفرغ جزء من اللي جواه، ما لقاش غير شلة من أصدقاء بيعانوا نفس الجرح، شلة شايفين نفسهم في عيون ناس مستصغرينهم، ومقللين منهم، فشايفين نفسهم في منتهى الضاءلة والدونية…..

الشلة دي هي اللي بتشوفهم على نواصي الشوارع، وفوق الأرصفة يسلكون سلوكا غير آدمي، ويكأنهم أحفاد يأجوج ومأجوج، حضرتك – معلم المدرسة- ، والأسرة، وجهاز التليفزيون بما يعرضه من سفه، دون رقيب، وغول هو الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وقدوة تغير مفهومها، ومثل عليا أصبحت في عداد المفقودين، ونجوم في السماء هبطت أرضنا وارتدت زي المشخصاتي عديم الرسالة، والراقصة، والمغني، ومن يركل الكرة في وجوه أصبحت ترى قبيحة، كل هؤلاء تآمروا على إنتاج هذا الكائن الغريب، الذي يعيث في الأرض فسادا، ضاربا عرض الحائط بكل القوانين الفطرية، و الأخلاقية، والمجتمعية، وحتى الوضعية، إنه لا يخاف، لا ، كل اللي الحكاية إنه عابز يتشاف، ما هو أصله عاش نكرة هنا، وهنا، وهناك، في كل الأماكن، محتاج يتكلم فيتسمع، محتاج يتشاور عليه ..

محتاجين حد يصقف لهم، حد يثني على فعلهم، محتاجين حد ينيم الوحش اللي جواهم، علشان يدي مساحة ووقت للإنسان، فيتكلم، ويعبر، ويسلك، الولاد دول، والبنات دول، محتاجين حد يقولهم انهم مش كاملين، وإن الطبيعة البشرية، الفطرة الإنسانية، لا تتنافى مع فكرة ارتكاب الأخطاء، بالعكس ده فيه نوع تعلم اسمه التعلم بالمحاولة والخطأ، قائم على نظرية تحمل نفس الاسم – ده توصل ليها بالمناسبة عالم اسمه ثورنديك – البنت اللي اتكلمنا عنها في أول حكايتنا، وامها المتنمرة، محتاجين حد يعلمهم من أول وجديد، إن الجمال لا يرى، بل يكتشف، وإن الصور لا تعبر عن المعنى الحقيقي لجمال أصحابها، البلطجي، والمنحرفة، والتائهة، والمريض النفسي، كل دول صناعة محلية مية مية، هو آه أصل الصنعة برة، لكن احنا اللي استوردنا، وقفلنا هنا ..

الولاد دول، والبنات دول، الاتنين محتاجين إيد تتمد، بس مش بالعقاب، ولا على القفا، لا، إنما علشان تشدهم بره النفق ده، لطريق مستقيم، محتاجين عين، تشوف جمالهم الحقيقي، مش صور ، وحبة بويه، محتاجين لسان، بس مش يتنمر، لسان يشجع، يدعم، يقولهم مين ده، ومين ده، ده حجمه الحقيقي إيه، وده يستحق إيه، محتاجين كمان قلب يحتويهم، وعقل يستوعبهم، وقبل كل ده محتاجين يشوفوا القيم سلوكيات تمارس ، مش مجرد حبر في شكل إرشادات مكتوبة في ضهر كراسات المدارس، سلوك رجل في ألف رجل، خير من كلام ألف رجل في رجل واحد، محتاجين وطن يهتم بيهم، ويخاف عليهم، ويستثمر فيهم، يا أيها الوطن البعيد اقترب، فجميعنا في حاجة لاحتواء. ليلتكم سعيدة

شاهد أيضاً

مقدمة في فن اكتشافات المقابر الأثرية.. كتاب جديد للدكتور سيد الطلحاوي

متابعة : ماهر بدر نشر الدكتور سيد الطلحاوي مدير عام آثار الدقهلية ودمياط ومدير بعثة …