العنف الأسري يهدد كيان المجتمع

العنف الأسري يهدد كيان المجتمع

بقلم الدكتورة:هبة المالكي مدرس أصول الفقه بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بالمنصورة

العنف الأسري وحوادث القتل تهدد كيان المجتمع وتساهم بشكل كبير في تدمير الأسرة وتشريدها
هذة الحوادث الفردية الي غياب الوعي الفكري والثقافي وضعف الوازع الديني وكذلك تعاطي المخدرات التي تكون سبب رئيسي في غياب وذهاب العقل
مثل هذة الحوادث فردية وليست ظاهرة وغالبا ترجع الي غياب الوعي وكذلك التنشئة الاجتماعية التي لها عالم أساسي في تكوين الوعي لدي الفرد والمجتمع في تحصينهم ضد عوامل العنف
غياب الرقابة الأسرية في تربية الأطفال منذ البداية وتركهم لاعتناق أفكار العنف سبب رئيسي في تولد العنف لديهم في مرحلة الشباب
ضغف الوازع الديني سبب اخر في مثل هذة الحوادث التي تهدد كيان الأسرة والمجتمع
علي مؤسسات الدولة بضرورة التوعية التامة من خلال ندوات في كافة الأماكن العامة سواء في المؤتمرات أو النوادي أو مراكز الشباب بتوضيح خطورة مثل هذة الحوادث الفردية التي تكون سبب رئيسي في تفتيت وتدمير كيان الأسرة

ويرجع ذلك الي إمكانية الي عدم الرقابة من الأسرة في صداقة أفراد السؤء الذين يتعاطون المخدرات والكحوليات مما يكون سبب رئيسي في غياب الوعي وعقلهم في المشادات والمناقشات الأسرية مما يؤدي الي حوادث القتل
يجب علي مؤسسات الدولة بالتصدي لتجار المخدرات والضرب بيد من حديد للقضاء عليهم لبناء مجتمع قوي متماسك الأركان
لا يماري أحد في أننا نعيش عصر اللهث وراء المال, باعتباره عصب الحياة, ووسيلة إشباع الحاجات, وأسباب كسب المال وتكثيره واكتنازه, لم تدع للكثيرين وقتا حتى للسؤال عن ذويهم, فضلا عن صلة ذوي رحمهم, فتولدت طباع وأخلاق غريبة عن المجتمع, من شيوع نزعة الأنانية المفرطة, والسلبية المبالغ فيها, بل والتوحش لدى البعض, حتى وجدنا من يتخلص من كل أولاده وزوجته, أو من تتخلص من أولادها وزوجها, وعدم السوية في التعامل مع الغير, ليسود العنف في علاقات كثير من الناس مع غيرهم, وارتكاب أبشع الجرائم لنيل أمر تافه, لا يقتضي ما ارتكب لنيله, ونماذج أخر صارخة من سوء السلوك, فجع بها المجتمع في الأمس القريب, فكيف يتصور مع ذلك كله بقاء الدفء الاجتماعي, وقد يتعلل البعض لعدم سوية سلوكه, وإفراطه في مشاعر العداء والبغض للآخرين, بضيق ذات يده, وقلة ما عنده لإشباع حاجاته وحاجات أسرته الضرورية, وما هذه العلة وأضرابها إلا نتيجة عدم الإيمان بالله تعالى, وانحسار القيم الإسلامية بل والإنسانية من نفوس الكثيرين, حتى صار البعض يعتبر القناعة والرضا بما رزق الله, عجزا, ليحل محل ذلك القنوط من رحمة الله سبحانه, ألا إن ما يتعلل به البعض لتبرير عدم سوية سلوكه, وتوحشه, وبغضه لنفسه وللآخرين, لا يصلح علة لفعاله السيئة, فإن جل هذه العلل إن كان مآلها لضيق ذات اليد, فإن حياة السابقين لم تكن ترفا ونعيما لا ضفاف له, يكفينا في هذه الصدد ضرب مثال بأعز خلق الله على الله, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على بيوت زوجاته الواحدة تلو الأخرى قائلا: “هل عندكم من طعام؟” فإن قلن: ليس عندنا شيء, قال: “فأنا إذا صائم”, وتقول زوجته عائشة: “كان يمر بنا ثلاثة أهلة –أي ثلاث ليال- ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم النار”, أي أنه لا يوجد طعام يقتضي إنضاجه على النار, وإنما كما تقول عائشة: كان طعامهم في أكثر الأيام التمر”, فهل بلغ بمن يقدمون على إنهاء حياة أسرهم في زماننا حال الإعاشة ما بلغ برسول الله صلى الله عليه وسلم, من شظف العيش وضيق ذات اليد, بل إنه كان يدعو ربه يقول: “اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا”, أي بمقدار قوتهم, ويقول أيضا: “اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين”, وقال صلى الله عليه وسلم: “قد أفلح من أسلم ورزق كفافا, وقنعه الله بما آتاه”, ولا ينبغي أن يقول أحد ذاك نبي ولسنا أنبياء, فقد أمرنا الله تعالى بالتأسي به في خلقه وسلوكه ومنهجه في الحياة, قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا), ولم يكن وحده صلى الله عليه وسلم الذي أصابه ضيق ذات اليد, بل جل أصحابه كانوا يعانون من ذلك, والأمثلة على ذلك يضيق المقام عن ذكرها, ومع هذا فلم ير أحد منهم متبرما من الحياة أو مما رزقه الله, أو ضاق صدره بمطالب أسرته, ولم يعلم عن أحد منهم أنه قتل أولاده أو زوجته بسبب فقره وشدة حاجته, وقال ما يتعلل به البعض في زماننا من قلة ما رزق من مال, إنما هو نتيجة طبيعية لعدم كمال إيمانه, باعتبار أن الإيمان بالقدر خيرا كان أو غيره شعبة من شعب الإيمان بالله, ولا يكمل إيمان المرء إلا إذا آمن بكل ما رزق أو ابتلي به, فلا يجعلن أحد قنوطه من رحمة الله تعالى سببا للتخلص من أسرته, فإن القانط ضال آثم, قال تعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ), فمن وصل به القنوط إلى حد قتل نفسه, أو قتل غيره, فإن نصوص الكتاب والسنة دالة على خلوده في نار جهنم, قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا), وقال صلى الله عليه وسلم في شأن قاتل نفسه: “من تردى من جبل فقتل نفسه, فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحسى سما فقتل نفسه به, فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة, فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا”, فلا يجعلن أحد قنوطه من رحمة الله تعالى سببا لإنهاء حياته أو حياة غيره, فلا يعذر أحد بسبب فقره وشدة حاجته, فإن الله تعالى فرض علينا الأخذ بأسباب كسب الرزق الحلال, فإن كان ما قدر للعبد من الرزق قليلا, فليصبر وليحتسب, ولا يحملن نفسه فوق ما تحتمل, (من كان فقيرا فليأكل بالمعروف), وليقنع بما رزق وليشكر الله سبحانه على ما أنعم به.

.

كتب الله في لوح مقاديره الشقاء على بعض عباده؛ فكان نصيبهم من الابتلاءات في الدنيا أن يقعوا فريسة للعنف الأسري؛ فرزق بعض الآباء أبناء عاقين أذاقوهم من الهوان ألوانا، وامتن على بعض الزوجات بأزواج ضلّت المودة والرحمة طريقهما إلى قلوبهم، وجعل من نصيب بعض الأبناء آباء لم يعرف الحب والحنان كيف السبيل إلى ثنايا أرواحهم، وأراد بهم أن يجرعوا كأس المرارة في الدنيا حتى ثمالتها، لعل هذا الابتلاء يكون سببا في تكفير سيئاتهم والفوز بجنات النعيم؛ فلله ما يشاء من الرضا بالقضاء والصبر على البلاء.
لا يتوقف العنف الأسري على الممارسات العدوانية من الرجل ضد المرأة كما هو شائع، بل يتعداه ليشمل عنف أي فرد من الأسرة ضد أحد أفرادها؛ فيعد من أنواعه عنف الوالدين تجاه الأبناء، وعنف الأبناء تجاه الآباء، وعنف الزوجة تجاه زوجها، وعنف الإخوة تجاه بعضهم البعض، كما لا ينحصر معنى العنف الأسري في الإيذاء الجسدي كالضرب والقتل، ولكن يتسع معناه ليشمل أي فعل مؤذٍ يُرتكب ضد إرادة الشخص؛ ولذا كان من أنواعه العنف الجنسي، والعنف العاطفي واللفظي والاستغلال النفسي، كذلك هناك العنف الاقتصادي كالحرمان من الميراث أو التعليم، كما تعد بعض الممارسات المجتمعية الخاطئة في بعض البيئات نوعا من أنواع العنف الأسري كالإكراه على الزواج وكتزويج القاصرات والأطفال.
بالنظر في أحوال المجتمع يمكننا أن نرد العنف الأسري إلى العديد من الأسباب كان من أهمها: ضعف الوازع الديني وعدم تطبيق تعاليم الإسلام السمحة التي نجدها في مثل قوله تعالى في الإحسان إلى الوالدين:” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما”، وكمثل قوله تعالى في الرفق بالأبناء:” ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم”، وكمثل قوله تعالى في الحض على اللين وخفض الجانب:” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”، كما وجه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن اللين وحسن الخلق سبب في البعد عن النار كما جاء في قوله:” حرم على النار كل هين لين قريب من الناس”
العنف عند بعض الأشخاص ينشأ بسبب شعورهم بالنقص الأمر الذي يؤدي إلى اندلاع نار الحقد في قلوبهم تجاه الآخرين ثم تترجم حواسهم ذلك إلى أفعال وممارسات عدوانية، كما أن انتشار البطالة والفقر وتعاطي المخدرات كلها أسباب تساهم في ظهور العنف الأسري في بعض البيئات، ولا نغفل دور الموروث المجتمعي في تفعيل العنف الأسري كالتفرقة بين الأبناء وعدم المساواة في معاملتهم، وسوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة وتسلط الآباء على الأبناء وغياب ثقافة الحوار داخل الأسرة، كما أن سوء اختيار الشريك وعدم التكافؤ بين الزوجين خاصة التكافؤ الفكري له أكبر الأثر في نشوء العنف داخل الأسرة، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن الإعلام خاصة المرئي منه له دور ليس ياليسير في العنف الأسري وذلك عند عرض الأعمال الدرامية التي تحتوي مشاهد عنيفة أو جرائم قتل وتعذيب.
الأضرار الناتجة عن العنف الأسري فلا حصر لها، لعل من أهمها فقدان الثقة بالنفس والنقص في تقدير قيمة الذات، والاضطراب والقلق والتواري من مواجهة المجتمع خاصة عند الأشخاص ضعاف الشخصية الذين يتعرضون لهذا النوع من العنف، كما أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب يواجهون كوابيس ومخاوف ويعانون من البطء في التعلم والنمو والإنجاز وضعف المهارات والعزلة والتهميش مقارنة بغيرهم، ولما كانت الأسرة هي الركيزة الأساسية في المجتمع فإن وجود العنف الأسري يؤثر سلبا على المجتمع ولا يقتصر ضرره على الأفراد، فنلحظ انخفاض الإنتاج وتراجع العوائد وخسارة الفرص التعليمية والوظيفية، كما أن تناقل العنف بين الأفراد باعتباره سلوك معدٍ يؤدي إلى اعتياده واعتباره مظهرا طبيعيا مما يؤدي من دون شك إلى بالعنف وبالتالي تزداد الصراعات

شاهد أيضاً

هيا لنقوى من جديد

➖️ هيا لنقوي من جديد : كتب سمير ألحيان إبن الحسين __ لماذا؟!؟!   _ …