العلاقة المحرمة بين المانيا واسرائيل
في يونيو من العام 2023 ابرمت المانيا صفقة دفاعية لشراء صواريخ اعتراضية اسرائيلية تسمي ارو 3 ( arrow 3) وقد وصفت وزارة الدفاع الاسرائيلية الصفقة بأنها تاريخية مشيرة ان قيمتها تصل الي 3.5 مليار دولار وتعتبر هذه الصفقة اكبر صفقة دفاعية في تاريخ اسرائيل والتي تمت بعد موافقة من الولايات المتحدة الامريكية التي مولت وساعدت اسرائيل في تصنيع وانتاج هذه المنظومة وهذه المنظومة مصممة للدفاع الصاروخي بعيد المدي واعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي .
ابادة المانيا ل 80% من سكان نامبيا
ربما لا يعلم الكثيرين ان لالمانيا تاريخ استعماري في افريقيا ومع الاسف شمل هذا الاستعمار عدد من المذابح الفظيعة التي ارتكبتها القوات الالمانية ففي عام 1885 اعلنت المانيا رسميا استعمارها لناميبيا والحقيقة ان التواجد الالماني في هذه المنطقة قد بدأ قبل ذلك عن طريق التجار والمبشرين ومع مرور الوقت شعر السكان المحليون بالسخط وتحكم المستعمرين باراضيهم وماشيتهم فقامت حركات التحرر ضد المستعمر الالماني واسماها الالمان تمرد وبطبيعة الحال لم تكن القوي متكافئة في هذه الحرب فانتضرت القوات الالمانية وبعدها قامت القوات الالمانية بشن حرب ابادة ضد السكان الاصليين قتل خلالها ما يزيد عن 80% من سكان نامبيا وقد وصفه المؤرخون باول ابادة عرقية في القرن العشرين واستمر احتلال المانيا لنامبيا حتي نهاية عام 1945 .
جذور العلاقات الالمانية الاسرائيلية
صرح المستشار الالماني اولاف شولتز في المؤتمر الصحفي الذي عقده في تل ابيب مع نظيره الاسرائيلي في اكتوبر من عام 2023 قال ان امن اسرائيل هو مصلحة عليا لبرلين وهذا التصريح ليس جديدا حيث صرحت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل من قبل بنفس التصريح في مارس من عام 2008 .
وتعود جذور العلاقات الالمانية الاسرائيلية الي ما بعد الحرب العالمية الثانية وتعد العلاقات الألمانية الإسرائيلية ذات طبيعة خاصة لأسباب تاريخية يعلمها الجميع تتعلق بالحقبة النازية لكن الدعم الألماني المكثف لإسرائيل منذ نشأتها له دواعٍ أيضا جاءت في لحظات تاريخية بالغة الحساسية لبرلين. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تنازعت قوى الحلفاء على ألمانيا المهزومة وقسمتها إلى مناطق محتلة. ومع احتدام الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية، انقسمت ألمانيا في عام 1949 رسميا إلى دولتين: ألمانيا الغربية (جمهورية ألمانيا الاتحادية ) الموالية للولايات المتحدة وإنجلترا وفرنساو التي تبنت النظام الرأسمالي واقتصاد السوق وألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) الموالية للسوفييت بنظام شيوعي مركزي. وقد استمر هذا الانقسام طويلا حتى سقوط الاتحاد السوفيتي ومعه جدار برلين الفاصل بين الدولتين عام 1990
في مطلع الخمسينيات، حرصت إسرائيل على الضغط بكل ما لديها على قوى الحلفاء تطالب بعدم الاعتراف بأي حكومة ألمانية قبل دفع تعويضات هائلة لدولة اسرائيل الناشئة تعويضا عن المحرقة النازيةوبالفعل تم التعويض بـ1.5 مليار دولار.
في الواقع التعويضات الألمانية المقدمة لدولة إسرائيل كانت المحطة الأولى التي أسست العلاقة الثنائية الوثيقة بين البلدين والتي تمت بموجب اتفاقية لوكسمبورغ المبرمة في سبتمبر1952 وقد اسهمت في إنشاء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي في فترة الخمسينات والستينات ولعبت الكفاءات الألمانية دورا كبيرا في شتى المجالات وعلى رأسها بناء الجيش الإسرائيلي .
بداية الدعم الالماني لاسرائيل
حققت الاتصالات المباشرة بين جوزيف شتراوس وزير دفاع ألمانيا الغربية وشمعون بيريز الذي كان يشغل حينها منصب المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية تأمين وصول شحنات الأسلحة الالمانية الي الجانب الاسرائيلي حيث أنه في تلك الآونة كان إعلان علاقة ألمانيا الغربية الوطيدة بإسرائيل يعني خسارتها معركة العلاقات في المنطقة العربية أمام جارتها الشرقية التي تنازعها التمثيل الدبلوماسي وكان اتفاق لوكسمبورغ بالفعل قد أثار مشكلات لا حصر لها مع الدول العربية وفي طليعتها مصر لذا كان على الدعم العسكري الألماني لإسرائيل أن يظل سِرا
وفي سبيل تحقيق السرية لجأ شتراوس إلى مناورات وتمثيليات لإبعاد الشبهات مثل اختراع سيناريو تلقي أقسام الشرطة الالمانية بلاغات عن عمليات سطو وسرقة على مخازن الجيش الألماني وطبعا هذه الأسلحة والمعدات العسكرية متجهة فعليا إلى إسرائيل .
أما الطائرات المروحية والمقاتلة فأُزيلت منها أي رموز تشير إلى المانيا وشحِنت بالسفن من ميناء مارسيليا في فرنسا وقد استخدمت إسرائيل هذه الأسلحة بكثافة في حرب 1967
وفي حرب أكتوبر 1973، كانت ألمانيا الغربية هي الدولة الوحيدة في العالم التي استجابت للمطالب الأميركية بإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات إذ أن واشنطن أوضحت عبر السفير الأميركي في المانيا الغربية لوحت في تلك الأجواء المتوترة بأن تقاعس حلفائها عن دعم إسرائيل سيؤثر على العلاقات الثنائية معها في المستقبل ونتيجة لذلك استجابت الحكومة الألمانية لمطالب الولايات المتحدة بتسليم دبابات ومدافع وذخائر وشحنها من ميناء بريمن الألماني لتحميلها على السفن الإسرائيلية .
وبعد وقف اطلاق النار بين مصر وسوريا واسرائيل في حرب اكتوبر 1973 ارسلت المانيا خطابا للولايات المتحدة الامريكية عن طريق السفير الامريكي في المانيا يقول (اننا نري ان حق الانتفاع اصبح الان غير ضروري ) ويقصد بذلك المساعدات العسكرية الالمانية لاسرائيل اصبحت غير ضرورية وفي الواقع كان للتهديد العربي بقطع امدادات النفط دور كبير في هذا الموقف .
الموقف الالماني الحالي من احداث غزة
منذ عملية #طوفان #الاقصي لاحظنا من خلال تصريحات المسؤلين بالحكومة الالمانية ووسائل الاعلام الالماني انه بعيد تماما عن التوازن في التعامل مع القضية فمنذ اليوم الاول خرجت الصحف الالمانية بافتتاحيات تتحدث عن ضرورة تقديم المانيا كامل الدعم لاسرائيل للدفاع عن نفسها مستندة الي المسؤلية التاريخية للدولة الالمانية التي تسببت في المحرقة النازية وبرغم اشتداد القصف الاسرائيلي علي قطاع غزة وارتفاع اعداد الضحايا من النساء والاطفال المدنيين واتهام المنظمات الدولية اسرائيل بخرق القوانين الدولية ظلت الصحف الالمانية تدافع عن استمرار الحرب وتتجاهل اعداد الضحايا المدنيين ويهتم الاعلاميين الالمان بالتصريحات والتقارير والروايات الواردة من الجيش الاسرائيلي ويعرضونها دون تشكيك .
بقلم
محمد نصار