الطلاق.. من لم يذق العلقم لن يُحسن وصفه!
كتب سمير ألحيان إبن الحسين
كنت منذ فترة ليست بالقصيرة ضيفا مع صديق لي في ندوة عن البيوت وعوامل استقرارها، ومعاول هدمها..
ولفت نظري كلام الكثير من أولادنا وبناتنا عن الطلاق كأنهم يتكلمون عن شربة ماء، أو تبديل ثوب!!
حتى أن أحد ضيوف الندوة صرخ في إحداهن عندما قالت إن الأمر لا يستدعي كل هذا الانزعاج، نستبدل هذا بذاك، أو هاته بتلك، وانتهى الأمر..
قال الرجل صارخا فيها:
إن كلمة الطلاق لم تكن لتُذكَر في حياة الناس من أبناء جيله إلا نادرا..
كنا نتزوج لنعيش ونستقر، رغم تبعات الحياة ومنغصاتها، فلكل جيل متاعبه..
بعد هذا الموقف بأيام وجدتني أقرأ قصة خولة بنت ثعلبة المجادِلة التي ذهبت تحكي للنبي صلى الله عليه وسلم ظِهارها من زوجها أوس بن الصامت، وتستجديه أن يبحث لها وله عن حل يعيد للبيت حياته، وللزوجية استمرارها..
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها في كل مرة:
(ما أراك إلا قد حرمت عليه)
وهي تلح على رسولها وتقول:
لم يرد بقوله ذلك طلاقًا ولا فراقًا..فيجيبها رسول الله ثانية: (ما أراك إلا قد حرمت عليه)
يا رسول الله:
إن لي منه صبية، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا…
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على قوله:
(لا أراك إلا قد حرمت عليه)
فلما لم تجد لها جوابًا عند رسول الله، التجأت إلى الله قائلة: اللهم أنزل على لسان نبيك ما يقضي لي في أمري، فلم تكد تنتهي من دعائها، حتى أنزل الله على نبيه قوله سبحانه: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}
كأن الله يحمد فيها خلق الحفاظ على البيت لذا أنزل في صاحبة هذا الخلق قرآنا،رغم أن العيب كان من الزوج، بل كان الزوج كما تقول بعض الروايات شديدا حاد الطبع..
لكن… من قال أن عسل البيوت يُتَحصل دون لسع نحل الحياة!!
إن يدا غريبة بل أياد عبثت كثيرا في عقولنا وبيوتنا بل ومجتمعاتنا حتى جعلتها تستهين بعقدة النكاح التي عقدها الله بين الزوجين وجعلها آية من آياته..
والعجيب أن الأمر طال آباء وأمهات هؤلاء الشباب الأغرار الصغار، حتى أن كثيرا منهم ما إن تأتيه ابنته بدمعتين على خدودها إلا ونادى بطلاقها..
والنتيجة ملايين المطلقين والمطلقات، ومعهم عشرات الملايين من اليتامى حالا وغير اليتامى شكلا من أولادهم..
سيقول لك أحدهم أو إحداهن:
هذا شرع الله فلا تضيق واسعا… والطلاق خير من حياة لا تطاق!!
وله ولها أقول:
لا يمكن أن تكون 25000 حالة طلاق في المملكة المغربية غير مقلقة
ولا يمكن أن تكون حياة قرابة الخمسة ملايين مطلق ومطلقة في مصر مثلا لا تطاق!!
ويستحيل أن تكون حياة قرابة الأربعين بالمائة من زيجات بعض دول الخليج ملؤها الضرر، واستحالة العشرة!!
إنما هو الاستسهال، وحظ النفس، والتسرع،والاستماع لغير الأمين،والندية، وقلة الخبرة، وتدخل الأهل، وعدم النظر لمآلات الأمور، والتأثر بالإعلام وتجارب الغير الفاشلة، والكِبر، والكيد،ومظنة أحد الطرفين أن الحياة بالطرف الآخر أو بدونه تستوي..
والنتيجة طلاق بلا حصر، وخوف من الزواج بعدما كان أمنية!!
لا بد من إيقاف لهذا السخف..
والأمة تستطيع… نعم تستطيع..
تستطيع بتعليم أولادها وبناتها أن الزواج أسمى وأرقى علاقة بين إنسانين..
وأن الزوجين أدوم لبعضهما من الأبوين..
نستطيع من خلال إجبار أولادنا على حضور دورات المقبلين على الزواج..
نستطيع من خلال اتفاق الزوجين على وسيط حكيم عاقل سيما أهل العوائل..
نستطيع من خلال قيام أئمة المساجد وحكماء الأحياء بدورهم خارج المساجد…فالساجد قبل المساجد!!
نستطيع بإلغاء فكرة خاطئة تقول أن البيوت لا ينبغي أن تخرج أسرارها…وهي كلمة حق أريد بها باطل…فالبيوت كالأبدان تمرض وتتعافى…المهم أن يُختار لها الطبيب الأمين، ولسنا في ذلك أكرم من أصحاب النبي الأمين..
نستطيع حينما نقتل المشكلة في مهدها ولا نترك جروحها الطفيفة حتى تمتلئ وتتقيح..
نستطيع حينما ترجع المرأة لدورها وفطرتها، والرجل لدوره ومسئوليته..
فما اختل ميزان الزوجية إلا باختلال الأدوار الإنسانية والشرعية!!
نستطيع ونستطيع… المهم أن نفعل شيئا لهذه المملكة المظلومة التي كنا نتيه على الدنيا بها..
بقي أن أزف بشرى لمن يؤثرون الصلح، وتحذيرا لمن يتسرعون في أمر الطلاق..
قال تعالى:
“لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم”
وعد الله الحريصين على بقاء الحياة الزوجية رغم بعض مشاقها بالرحمة والمغفرة، بينما أرجأ الراغبين في الطلاق للحساب وهو سبحانه الذي يعلم سبحانه كل شيء عمن تسبب في الأمر من أصحابه.
ولو تدبر المتزوجون هذه الآية وحدها لكفتهم.