الصراع الزواجي (أسباب ونتائج ووقاية)
بقلم / أ د آمال إبراهيم عبدالعزيز الفقي
أستاذ الصحة النفسية والتربية الخاصة _ كلية التربية بجامعة بنها
الزواج في اللغة معناه الاقتران والازدواج ، وعرف قانون الأحوال الشخصية الزواج بأنه عقد بـين رجـل وامرأة تحل له شرعًا ، غايته إنشاء رابطة الحياة المشتركة والنسل، وهو رابطة بين رجل بامرأة أو أكثر ، وهذه العلاقة يعترف بها المجتمع والقانون ، ولها مجموعة من الحقوق وعليها عديد من الواجبات ، بهدف استمرار الحياة والنوع عن طريق الإنجاب ، فالأسرة أول نظام اجتماعي عرفته البشرية ، وهى وحدة إنتاجية بيولوجية اجتماعية ، وإذا جاز التعبير بأنها وحدة حية ديناميكية ، فمنها تنشأ كافة المجتمعات البشرية الاجتماعية عبر كل العصور، والأسرة تعني السكن ، والرحمة ، والعطف ، والتنشئة السوية ، والاستقرار، والأمان، ونبذ الخلافات ، والشفافية بشكل يُتيح الفرصة أمام جميع أعضائها بأن يعيشوا حياة هانئة مستقرة ، ويقول المولى عز وجل ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون) سورة الروم آية(21)، ويتحقق السكن عندما تمر مراحل التطور الطبيعي لدورة الحياة الزوجية والأسرية بسلام وأمان ، حيث تمر الأسرة بالعديد من المراحل ،منها ؛ الأسرة المبتدئة تتضمن المغازلة والاهتمام فالأسرة كائن حي يولد ويحيا ويتغذى بالرعاية والعناية والتضحية اليومية المتكافئة بين الزوجين ويموت بالإهمال والتهميش وعدم الخصوصية ، والمرحلة الثانية هى الأسرة العائلة لطفل تبدأ مع ميلاد طفل وتستمر حتى يلتحق هذا الطفل بالمدرسة إلى أن يترك البيت ويكون أسرة وعليها تدريبه ليتحمل المهام المنوطة إليه ثم تركه يستقل ويعتمد على نفسه ويبني حياته كما فعلوا من قبل ويفرحوا لنجاحه في بناء أسرته ، أما المرحلة الثالثة هى الأسرة المُسنة حتى نهاية العمر فهى الدعم والسند للابن والأحفاد ، والمرور بهذه المراحل يحتاج قدرًا كبيرًا من الحكمة ، فعند حدوث انتقال أكثر بطئًا أو أكثر سرعة أو تعلقًا بشكل غير سوي من الوالدين لطفلهما يؤدي إلى تشوه في البنية النفسية والمعرفية للأسرة كاملة.
ورغم كل ذلك يعتقد البعض بأن الهناء سيدوم في جميع الأجواء ، ويمكن تحقيق ذلك بشكل نسبي عندما تكون التوقعات واقعية والأمنيات والأحلام قائمة على التفاعل المشترك والتبادل المتوازن للأخذ والعطاء، ونظرًا لأن الحياة سلسلة من الصراعات المستمرة ومحاولات لفضها للوصول للتوازن الإنساني، مما يجعلنا نتقبل فكرة أن دوام الحال من المحال ، فقد تتعرض الأسرة لبعض الصراعات والخلافات الزواجية، وخاصة في بداية تكوينها، فالصراع الزواجي هو عدم الانسجام الزواجي نتيجة تقديرات سلبية لسلوكيات كل طرف ، وعدم القدرة على حل المشكلات ، وتقديرات مرتفعة للصراع ، والسلبية المتبادلة ، وضعف مهارات التواصل ، ورؤية قاصرة للأنشطة الترفيهية المشتركة، بمعنى أنه صراع ينشب بين الزوجين لتضارب المصالح حول موضوع ما، ويسعى كل طرف لاثبات أفضلية رأيه ، فقد يكون الصراع والخلاف صريحًا أو ضمنيًا ، ويحتاج كل منهما طرفًا ثالثًا مُحايدًا ومُحبًا لهما ليساعدهما للوصول لحل جوهري لخفض هذا الصراع .
ويرجع لعدة أسباب ، منها؛ طبيعة التفاعل الاجتماعي بين الزوجيين أو تفاعل أحدهما مع أفراد أسرة الطرف الآخر، أو لمشاكل اقتصادية ، أو لاختلاف فلسفة واعتقادات وأفكار كل من الزوجين في الحياة، أو اختلاف السن أو التعليم أو تعدد الأدور، أو لظهور الاتجاهات الفردية والأنانية في المعاملات ، أو تدخل جهات خارجية غير مُحبه لأحد الطرفين لإشعال الفتن بينهما، أو الاختلاف في الاحتياجات الجنسية ، أو عند ميلاد أول طفل وتحول اهتمام وحياة الأم له واهمال واجباتها الزوجية ، أو التكوين النفسي للمرأة أو الرجل فيه شذوذ (المرأة المسترجلة ، الرجل الطفل ، الزوجة / الزوج الهستيري) ، أو التركيز على الجوانب السلبية لا الإيجابية في الحياة الزوجية والنقـد الـلاذع المتواصـل ، أو إدمان بعض الكحوليات أو المخدرات من أحد الطرفين ، أو العلاقات غير الشرعية ، أو التشوهات المعرفية الاجتماعية ويقصد بها كيفية اكتساب الزوج / الزوجة المعلومات عن كيفية التعامل مع شريك الحياة المستقبلي أثناء تعامل والديه مع بعضهما البعض بطريقة غير سوية ، أو الغيرة الحاسدة التي يملؤها الشك ، أو النظر للزواج على أنه عقبة في سبيل حرياتهما وتفضيل العيش في خيال شاب أو فتاة نتيجة أفكارهما بأن الزواج مسؤولية لا طاقة لهما بالقيام بهذه المسؤولية ، أو التعلق الوالدي غير الآمن ( بديلة للأم / بديل للآب ) ، أو إفشاء أسرار الزوجية ، أو عدم العناية بالنظافة العامة سواء من قبل الزوج/ الزوجة، أو العنف البدني أو النفسي ، أو البخل الشديد أو الإسرف المفرط ، أو البطالة للزوج لأنها تؤدي إلى عدم الاحترام وزيادة العـدوان الموجـه نحـوه ، وعدم قدرته على توفير المتطلبات الأساسية للأسرة ، أو خروج المرأة للعمل واستقلالها الاقتصادي والتمسك بحقوقها والمطالبة بها بشئ من التحدي ، وقد تتبلور هذه الأسباب مجتمعة أو بعضها في ظهور الصراع والخلافات الزوجية على مستوى السطح عند أول مشكلة بينهما .
وتتعدد تفسيرات الصراع الزواجي ، فمنها؛ النموذج العياني والنموذج الوظيفي ، فيرى النموذج العياني أن الصراع الزواجي ينشأ بين الأزواج عندما تتوفر عدة عوامل منها : عدم امتلاك مهارات حل المشكلات ، وصعوبات في تنشئة الأطفال ، أما النموذج الوظيفي يفترض أن المشكلات الزوجية عبارة عن تعبيرات رمزية لنوع العلاقة ، بمعنى أن المشكلات لا يجب مناقشتها والإفصاح عنها لأنها نتيجة قصور في عمليات التواصل بينهما ، وستيضح ذلك كما يأتي:-
ترى نظرية التحليل النفسي أن الصراع الزواجي ينشأ نتيجة انخفاض مستوى الطاقة النفسية لدى كل من الزوجين أو أحداهما ، والتثبيتات في المراحل العمرية الأولى من حياتهما ، والنكوص والارتداد لنقطة التثبيت عند التعرض لموقف تهديد ، ولذا يكونا عرضه للاحتراق الزواجي ، وتنظر النظرية السلوكية للصراع الزواجي بأنه تعلم سلوكيات خاطئة من التفاعلات مع البيئة وتعزيزها بشكل أو بأخر ، والصراع بشكل عام من منظور دولارد وميللر يتجدول في شكل صراع إقدام / إقدام ، أو إحجام / إحجام ، أو إقدام / إحجام ، أو إقدام / إحجام مزدوج ، ويمكن تحديد درجة الصراع ونوعه بالرجوع لدرجة وشدة الصراع بين الزوجين ، في حين جاءت النظرية المعرفية السلوكية لتشير للصراع الزواجي من منظور توقعات غير عقلانية وغير منطقية أومكاسب سينالها كل طرف من الآخر بموجب هذا العقد ، مما يترتب عليه سوء فهم لبعضهما وتشوهات معرفية ، وأشارت نظرية التعلم الاجتماعى إلى أن الصراع الزواجي ينشأ وفقًا لمبدأ الدعم ونتائج السلوك ، وتتحدث نظرية الموارد عن توفير الموارد المؤهلة لبناء أسرة بعيدة عن الصراع الزواجي منها؛ المستوى التعليمي والاجتماعى والاقتصادى ، ومهارات التواصل، والتوكيدية ، وتركز نظرية الضغوط على استجابة وإدراك كل من الزوجين للدور الجوهري الذي يلعبه تراكم الضغوط في حياتهما ، وتشير النظرية البنيوية إلى التنشئة الاجتماعية للأبناء سواء باتباع أساليب معاملة والدية متذبذبة قد تتسم بالقسوة أو التسلط أو الحماية الزائدة ، مما يترتب عليه تجاهل التسلسل الهرمي لأعضاء الأسرة ، وجاءت نظرية التعلق لتشير إلى أهمية التعلق غير الآمن في نشأة الصراع الزواجي ، ويأتي نموذج الاهتمام المشترك واحترام الذات ليبلور سبب الصراع الزواجي في تجاهل الزوج للتغيير الذي لحق بدور كل من الزوج /الزوجة في ظل الزواج المعاصر وخروج المرأة للعمل ، والمطالبة بالمساواة بينهما ، وتهديد الاحترام المتبادل لذواتهما ، وعدم المعاملة بالمثل نتيجة لفقدان الثقة بالنفس أو سوء تقدير لاحتياجاتهما.
ويمكن تلخيص مصادر الصراعات الزوجية في عدة جوانب منها ؛ مصدر ذاتي يتعلق بشخصية الزوج/ الزوجة سواء من الناحية العقلية والنفسية والأخلاقية والصحية ، ومصدر يتعلق بالعوامل البيئية ويتضمن تدخل كل من الأهل أو الأصدقاء بسلوكيات وكلمات ناقمة وحاقدة على الزوجين بقصد أو بدون قصد ، أو التغيرات في بيئة العمل ، أو المسكن ، أو دور الإعلام في بث الأفكار الداعمة للصراعات والمقارنات أو المجتمع بشكل عام .
ويترتب على ذلك كثير من الآثار السلبية في الجوانب الفسيولوجية والنفسية والعقلية سواء بالنسبة للأزواج أو الأبناء ، فقد يصاب الزوج أو الزوجة ببعض الاضطرابات الفسيولوجية مثل ؛ ارتفاع ضغط الدم وظهور اضطرابات الاختلال الوظيفي الجنسي واستخدام لغة البدن بشكل مبالغ فيه، أو ظهور بعض المصاحبات النفسية مثل ؛ ارتفاع مستوى القلق والإصابة بأعراض الاكتئاب ، والنقد اللاذع للطرف الآخر، والشكوى المستمرة ، والسلوك السلبي ، والانغلاق على الذات ، والتبرير ، والإسقاط ، والإنكار ، والتمسك بالحلول السلبية لكثير من المشاكل والهروب من المواجهة ، ناهيك عن التأثير السلبي في سلوك الأبناء وتشوه أفكاراهم وقد تصل لدرجة إلغاء فكرة الزواج نهائيًا من حياتهم مستقبليًا.
وكل هذه المظاهر تعبر عن فتور في العلاقة الزوجية ، وضعف الارتباط العاطفي بين الزوجين ، والشعور بالاغتراب واللامبالاة ، وسيطرة العواطف السلبية بدلًا من العواطف الإيجابية ، مما يخلق نوعًا من الصراعات الزوجية المفيدة أو الضارة ، لأن للصراعات الزوجية عدة مستويات ، منها؛ خلافات بناءة لا تُفسد الود بين الزوجين وتقوى الروابط الزواجية، وخلافات هادمة تؤدى إلى العداوة والصراع والانتقام، والتوتر وتهدد الحياة الزواجية بالانفصال.
ولذا فإن الزوجين يحتاجان إلى سلسلة من التغيرات في إطار علاقاتهما ومعرفة الأسباب والتعامل معها بحنكة دون تدخلات خارجية حتى يصلا إلى قدر من الثقة ، والإطراء ، والعاطفة ، والمودة ، وفعالية التواصل ، وتحمل المسؤولية ، وتطابق الأولويات ، والرضا الجنسي ، وتقارب وجهات النظر ، ورعاية الأطفال ، واستقلالية الشريك ، وتوزيع الأدوار ، والتفاهم وصولًا للرضا الزواجي بالتدريب على استراتيجيات حل وإدارة الصراع بتعقل ، والالتزام الأخلاقي والشخصي والهيلكي ، والبحث عن أرضية مشتركة بينهما للوصول لنقاط إلتقاء وأولويات مشتركة ، والعلاج المرتكز حول الحل ، وإدارة الغضب ، ورغبة كل من الطرفين في إرضاء الآخر وبذل قصارى جهدهما لتحقيق ذلك، واحترام احتياجات الطرف الآخر، وزيادة الدعم الزواجي بالاستعانة بمكاتب الإرشاد الأسري لمساعدتهما في الوعي بالذات ، والتدريب على العطف / اللطف بالذات ، واليقظة العقلية.