الصادق يرزق صدق الفراسة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية أن من الثمرات الفريدة والفوائد العديدة التي تعود على الصادقين في الدنيا والآخرة، هو التوفيق لكل خير، كما يدل عليه قصة كعب بن مالك في تخلفه عن تبوك، كما في البخاري ومسلم، وفيها أن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم قال لكعب ” ما خلفك؟ ألم تكن قد إبتعت ظهرك؟” قال قلت يا رسول الله، إني والله، لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، أي فصاحة وقوة في الإقناع ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليّ،
ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، أي تغضب عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أما هذا فقد صدق” فلما صدق مع الله ومع رسوله، تاب الله عليه، وأنزل فيه وفي صاحبيه آيات تتلى إلى قيام الساعة، وكما أن من الثمرات الفريدة والفوائد العديدة التي تعود على الصادقين في الدنيا والآخرة، هو حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة ” رواه البخاري ومسلم، وكما أن من الثمرات الفريدة والفوائد العديدة التي تعود على الصادقين في الدنيا والآخرة، أن الصادق يرزق صدق الفراسة، فمن صدقت لهجته، ظهرت حجته، وهذا من سنة الجزاء من جنس العمل.
فإن الله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، فيلهم الصادق حجته، ويسدد منطقه، حتى إنه لا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ما ظنه، كما قال عامر العدواني “إني وجدت صدق الحديث طرفا من الغيب، فاصدقوا” وروي عن مطرف بن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه قال ” صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فما أتى علينا يوم إلا أنشدنا فيه شعرا وقال إن في المعاريض مندوحة عن الكذب ” رواه ابن جرير الطبري، ومعني المعاريض أي تجميل الكلام وتزيينه” وجاء في غريب المعاني لأبي عبيد رحمه الله قال والمعاريض أن يريد الرجل أن يتكلم الرجل بالكلام الذي إن صرح به كان كذبا، فيعارضه بكلام آخر يوافق ذلك الكلام في اللفظ، ويخالفه في المعنى، فيتوهم السامع أنه أراد ذلك ” وقال الإمام النووي رحمه الله في كتاب الأذكار.
واعلم أن التورية والتعريض معناهما أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع ” وقال أيضا قال العلماء فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق، فيصير حينئذ حراما، هذا ضابط الباب، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ” رواه مسلم، وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة ” رواه الترمذي.
فيا له من دين ويا له من نبي ربى أصحابه رضوان الله عليهم على حب الصدق والأمانة وذم الكذب والخيانة فبصدقهم وأمانتهم فتحوا المشرق والمغرب ودانت لهم العرب والعجم.