كان النبي صلى الله عليه وسلم مُحلى بصفات الكمال المنقطعه النظير ، أدبه ربه فأحسن تأديبه ، حتى خاطبه مثنياً عليه ، فقال:( وإنك لعلى خُلُق عظيم) وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس ، وحببه إلى القلوب ، وصيره قائداً تهوى إليه الأفئدة ، وألان من شكيمه قومه بعد الٕاباء ، حتى دخلوا في دين الله أفواجا.
يتكلم بجوامع الكلم ، فصلاً ، لا فضول فيه ولا تقصير ، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين ، يعظم النعمة وإن دقت ،لايذم شيئاً ،ولم يكن يذم ذواقاً – ما يطعم – ،ولا يمدحه ، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له ، لا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها _سماحه _ وإذا أشار ، أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا غضب ، أعرض وأشاح ، وإذا فرح ، غض طرفه ، جُلُ ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام.
وكان يحزن لسانه إلا عما يعينة ، يؤلف أصحابه ولا يفرقهم ، يكرم كريم كل قوم ،ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ، ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره.
يتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويصوبه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر ، غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ، ولا يجاوزه الا غيره.
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن – لا يميز لنفسه مكانا – إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه لحاجه ، صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله حاجه ، لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، وقد وسع الناس بسطه وخلقه ، فصار لهم أباً ، فصاروا عنده في الحق متقاربين ، يتفاضلون عنده بالتقوى ، مجالسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانه ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم – لا تخشى فلتاته – يتعاطفون بالتقوى ، ويوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويرفدون ذا الحاجه ، ويؤنسون الغريب.
كان دائم البشر ، سهل الخُلُق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب ، ولا فحاش ، ولا عتاب ، ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، ولا يقنط منه ، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحداً ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم الا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم ، أطرق جلساؤه ، كأنما على رؤوسهم الطير ، وإذا سكت تكلموا ، لا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم عنده ، انصتوا له، حتى يفرغ ، حديثهم حيث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويعجب مما يعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق ، يقول إذا رأيتم صاحب الحاجه يطلبها فأرفدوه)، ولا يطلب الثناء الا من مكافئ.
كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه ، لا يكاد يخرج شيئاً من أطرافه ، وكان كثير السكوت ، لا يتكلم في غير حاجه ، يعرض عمن تكلم من بغير جميل ، كان ضحكه تبسماً ، وكلامه فصلاً لا فضول ولا تقصير ، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيراً له، واقتداءً به.
وهذه الخلاله التي أتينا على ذكرها خطوط قصار من مظاهر كماله وعظيم صفاته ، أما حقيقه ما كان عليه من الأمجاد والشمائل ، فأمر لا يدرك كنهه ، ولا يسبر غوره ، ومن يستطيع معرفه كنه أعظم بشر في الوجود بلغ أعلى قمه من الكمال ، استضاء بنور ربه ، حتى صار خلقه القران ؟
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد.