أخبار عاجلة

“الرحمة المجتمعية: حق منسي في زمن القسوة”

بقلم: [ هبه هيكل]

في زمن يتسابق فيه الناس على الغلبة، وتعلو فيه الأصوات فوق القلوب، تضيع قيمة كانت من أولى القيم التي نزل بها الإسلام، وظهرت جليةً في حياة النبي ﷺ وصحابته، ألا وهي: الرحمة المجتمعية.

 

قد لا نجد هذا المصطلح كثير الاستخدام، لا في المؤلفات ولا في المنابر، لكنه جوهر من جواهر الإسلام، وأساس من أسس البناء المجتمعي. الرحمة التي لا تقتصر على العلاقات الفردية، بل تشمل حال المجتمع بأكمله، فتكون الرحمة مع الفقير، والعفو عن المذنب، والرأفة بالضعيف، والتسامح مع المختلف، والعدل مع الجميع.

 

يقول الله تعالى:

“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء: 107)

فرسالة النبي ﷺ كلها كانت رحمة، وليس فقط في العقيدة، بل في المعاملة، في السياسة، في القضاء، في الحرب، وفي السلم.

 

هل تأملت يومًا كيف كان النبي ﷺ يتعامل مع مجتمعه؟

جاءه شاب يستأذنه في الزنا، فلم يزجره، بل قربه إليه، وناقشه بالحجة، حتى قال الشاب: “فما كان بعد ذلك أبغض إليّ منه”.

هل لنا أن نعيد قراءة هذه المواقف في ضوء واقعنا؟

كم من شاب اليوم إذا زل أو أخطأ وجد من ينهره ويقصيه بدل أن يرحمه ويحتويه؟

 

الرحمة المجتمعية ليست دعوة للعفو عن الجريمة، ولا لتبرير الخطأ، بل هي دعوة لفهم الإنسان قبل الحكم عليه، ومداواته بدلًا من جلد روحه.

 

من أعظم مواقف الخلفاء الراشدين، موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الجوع الذي ضرب المدينة، حين قال:

“لو أن بغلةً في العراق عثرت، لخشيت أن يسألني الله عنها: لمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟”

إنها الرحمة التي تحولت إلى مسؤولية، إلى عدالة، إلى محاسبة ذاتية أمام الله.

 

في واقعنا المعاصر، وبين تردي الأخلاق أحيانًا وقسوة بعض القوانين أو الإجراءات، نحتاج إلى أن يُبعث مفهوم “الرحمة المجتمعية” من جديد، لا كشعار، بل كممارسة:

 

في المؤسسات: أن يُعامل المتهم كإنسان حتى تثبت إدانته.

 

في المدارس: أن نربي الأطفال بالحب لا بالعقاب فقط.

 

في الإعلام: أن نرفع قيمة الإنسان لا أن نختزلها في خطيئته.

 

في الأسرة: أن نجعل الرحمة لغة الحوار لا لغة السيطرة.

 

وقد قال ﷺ:

“من لا يَرحم لا يُرحم” (رواه البخاري ومسلم)

وقال أيضًا:

“الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (رواه الترمذي)

 

في أولى خطواتي على درب الكلمة، آثرت أن تكون هذه المقالة تذكرةً وموقف

شاهد أيضاً

رجلا من نار وأمرأة من جليد  

بقلم / سماح عبدالغنى  رجل من نار وأمرأة من جليد  أعرفك منذ زمن بعيد  وأحسك …