بقلم: المستشار هيثم جمال السدوري
لم يعد الحديث عن مؤامرة لتفتيت المنطقة ترفًا فكريًا أو نوعًا من “نظرية المؤامرة” التي يسخر منها البعض، بل صار واقعًا مكشوفًا تُعلن خطوطه العريضة على الملأ، دون مواربة، في بيانات وتصريحات وخطط استراتيجية منشورة، تتبناها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بكل وضوح.
لقد سقط برقع الحياء، وصار تقسيم المنطقة هدفًا معلنًا، وإضعاف الجيوش العربية غاية مرصودة، وتمكين الجماعات المتطرفة أداة فاعلة في تفكيك المجتمعات. ما نشهده من إبادة جماعية، وتهجير قسري، وصراعات داخلية، وحروب أهلية، ليس إلا مخرجات مباشرة لهذا المخطط، وكل من ينكر ذلك إما جاهل بحقائق الجغرافيا السياسية أو مشارك بالصمت في تنفيذ المخطط.
تتحدث النخب الغربية ـ وبعض المتماهون معهم من “المتنوّرين الجدد” في منطقتنا ـ عن “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، ويتغنون بفكرة “إسرائيل الكبرى” وكأنها قدر حتمي، بينما تُساق الأمة إلى فوضى مبرمجة، باسم الديمقراطية تارة، وباسم حقوق الإنسان تارة أخرى.
والأخطر أن بعض أبناء جلدتنا أصبحوا يتحدثون بلسان أعدائنا، يهاجمون ثوابتنا الوطنية، ويشككون في مؤسساتنا، ويتغنون بنماذج استعمارية تحت ستار “الحداثة” والتنوير، بل ويعتبرون أن لا مؤامرة تُحاك، بل مجرد “تحولات طبيعية”!
أي طبيعية تلك؟!
هل من الطبيعي أن تُفكك دولنا إلى كيانات طائفية وعرقية؟
هل من الطبيعي أن تُضرب الجيوش الوطنية لصالح مليشيات؟
هل من الطبيعي أن تتحول القضية الفلسطينية إلى ورقة تفاوض على المدى الطويل دون حلول عادلة، بينما يُطبع مع العدو؟
ما يحدث أكبر من أن يُغض الطرف عنه. نحن أمام مشروع طويل الأمد، يستهدف الوعي والهوية والجيش والعقيدة والانتماء.
لكن رغم كل شيء، لا تزال هناك شعوب تفيق، ومؤسسات تتماسك، وجيوش تنحاز لأوطانها، ولا تزال مصر، بوعي شعبها وعمقها التاريخي، تمثل جدار الصد الأخير، والحصن المتين في وجه رياح التآمر والانهيار.
> حفظ الله مصر، وحفظ أمتنا العربية والإسلامية من كل مكروه.
ولتبقَ راية الحق مرفوعة في وجه الظلم والكذب والخداع.