كتبت د بسنت البربري
ان التمييز الدستوري من القضايا الجوهرية في النظم القانونية الحديثة حيث يهدف إلى تحقيق التوازن بين المواطنين في المجتمع وضمان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وهو ما أكدته معظم الدساتير المعاصرة وفي السياق المصري.
تبرز هذه القضية الجوهرية فيما يتعلق بتحديد صفة “العامل” والتي ترتبط تاريخيآ بالسعي إلى تمثيل الفئات الكادحة وأصحاب الدخول المحدودة داخل المجالس النيابية تحقيقآ للعدالة الاجتماعية غير أن المعايير التقليدية التي وضعت لتحديد هذه الصفة لم تعد تعكس الواقع الإجتماعي والإقتصادي الجديد فقد شهد سوق العمل تطورات جوهرية تداخلت فيها طبيعة العمل اليدوي والفني والإداري وأصبح العديد من الفنيين والحرفيين وأصحاب المهن الصغيرة يواجهون نفس التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها العمال التقليديون.
وهنا يثور تساؤل دستوري مهم هل استمرار قصر صفة العامل على الفئات اليدوية يعد تمييزآ إيجابيآ مشروعآ أم تمييزآ سلبيآ غير مبرر.
ومن هنا تأتي أهمية الحوار الوطني كآلية دستورية وسياسية فعالة لمعالجة هذا الإشكال إذ يتيح مناقشة موسعة تضم الخبراء الدستوريين والنقابات العمالية وممثلي القوى السياسية لصياغة معايير أكثر عدالة وشمولًا ويمكن لهذا الحوار أن يؤدي إلى توسيع صفة العامل بحيث تشمل فئات أوسع تمثل جوهر العمل المنتج مثل الفنيين المهرة وأصحاب الحرف المهنية والتراثية والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ممن يساهمون بشكل مباشر في نجاح عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويواجهون ذات الظروف المعيشية الصعبة.
ويحقق هذا التوسيع عدة أهداف رئيسية منها تعزيز مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه دستوريآ وتوسيع قاعدة التمثيل النيابي لتكون أكثر تعبيرآ عن التركيبة الحقيقية للمجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر تمثيل الفئات التي تشكل العمود الفقري لزيادة الإنتاج القومي وتقوية الثقة في المؤسسات التشريعية باعتبارها معبرة عن جميع الفئات.
وفي النهاية فإن معالجة قضية التمييز الدستوري في هذا السياق تتطلب إرادة سياسية واعية ورؤية قانونية مرنة بحيث يتحول الحوار الوطني إلى وسيلة لإيجاد توافق مجتمعي يوازن بين الحفاظ على مبادئ الدستور وتطوير المفاهيم الاجتماعية.
فإعادة تعريف صفة العامل وفق أسس عادلة وشاملة لا يخدم فقط العدالة الدستورية بل يسهم أيضآ في إستقرار النظام السياسي وتعزيز المشاركة الشعبية الحقيقية.