أخبار عاجلة

الحكيم الترمذي) أثره وفكره، والمحنة التي عاشها والتي أعقبتها المنحة.

(الحكيم الترمذي) أثره وفكره، والمحنة التي عاشها والتي أعقبتها المنحة.
إعداد/ د. محمد احمد غالى

أولا : أثر وفكر الحكيم الترمذي، ترك الحكيم الترمذي العديد من المؤلفات والتصانيف، التي يمكن تصنيفها حسب موضوعاتها في التقسيم التالي: (السايح، أحمد عبدالرحيم، ١٩٩٨م، ٣٨)
١- التفسير. ٢- الحديث.
٣- الفقه. ٤- علم الكلام.
٥- فلسفة التشريع. ٦- تاريخ الصوفية.
٧- الآراء الصوفية.
وقد كان الحكيم التِرمِذي واسع الثقافة، غزير المادة، جمع كثيراً وكتب كثيراً، فقد ارتحل لطلب العلم وجاب الآفاق في خراسان والعراق وحدَث بنيسابور، وأخذ عن كبار العلماء وأئمة المحدثين، كما لقي أكابر الصوفية، واطلع على جميع ثقافات عصره، فامتدت ثقافته إلى جميع فروع العلم، فناقش الفقهاء، وجادل المخالفين لأهل السنة، وصنف الكتب والرسائل في الرد عليهم. واشتغل الحكيم التِرمِذي بعلوم عصره من فلك وطب وتشريح، وهذا ما يتضح جلياً من خلال مؤلفاته العديدة. (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٦٩م، ١٠).
ولقد أثر الحكيم التِرمِذي بفكره وكتبه على من جاء بعده من أعلام الفكر الإسلامي أمثال الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي؛ حيث نجد أن الغزالي تناول في ثنايا مصنفاته فصولاً وأبواباً تناولها الحكيم التِرمِذي، لكن في مصنفات مستقلة. منها على سبيل المثال: كتاب الحكيم “بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب”، والغزالي كتب باباً في كتابه “روضة الطالبين وعمدة السالكين” أسماه ” معنى النفس والروح والقلب والعقل”. (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٩٨م، ٣٠) كما تأثر الإمام ابن القيم في كتابه “الروح” بكلام التِرمِذي الحكيم عن النفس وأقسامها. والفروق بين الأعمال التي تبدو متماثلة في الظاهر وهي مختلفة في الحقيقة. وأستمد ابن القيم ذلك من كتب الحكيم مثل “الفروق ومنع الترادف” و”بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب” و”الأعضاء والنفس”. وقد أثر كتابه “ختم الأولياء” في كل من كتب بعده عن الولاية والأولياء. فقد تحدث الحكيم الترمذي فيه عن مقام للولاية هو مقام الختم وعده درجة للولاية لا ينالها سوى فرد واحد وهو الولي الخاتم. وطرح فى كتابه هذا مائة وثمانية وخمسين سؤالا، موضحا ومتحديا أنه لن يجيب عنها إلا من حاز درجة ومقام الولي الخاتم. وقد بقيت هذه الأسئلة زمنا طويلا لا تجد من يتصدى للإجابة عنها، حتى جاء الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي ليجيب عليها ويفرد لها رسالة بعنوان “الجواب المستقيم فيما سأل عنه الترمذي الحكيم” والتي جائت ضمن كتابه “الفتوحات المكية”. الطريف فى ذلك أن هذه الدرجة من الولاية وهي درجة ومقام الولي الخاتم ظلت محل إدعاء وتطلع من قبل الأولياء جيلا بعد جيل حتى وقتنا الحاضر. ولا يعني هذا أن كل من جاء بعده قد وافقه على آرائه فمنهم من عارضها ونقدها مثل الإمام ابن تيمية في كتابه “الرسائل والمسائل”. كما تأثر الإمام القرطبي به في تفسيره لقول الله تعالى { الله نور السماوات والأرض مثل نوره ….} حيث نقل نفس تفسير الحكيم للآية وأخذها من كتاب “المسائل المكنونة” للحكيم التِرمِذي. وكذلك نقل عنه الإمام الشوكاني في تفسيره “الفتح القدير” (البار، محمد علي، ١٩٩٠م، ٨٤).

ثانيا : المحنة التي عاشها الحكيم الترمذي والتي أعقبتها المنحة، كان السبب الرئيس للتهم التي لفقت للحكيم التِرمِذي ونفيه إلى خارج تِرمِذ وبالتحديد إلى بلخ: كتاب “ختم الأولياء: الذي اتهم فيه بتفضيل الولي على النبي وبادعائه للنبوة، وكتاب “إثبات العلل” الذي علل فيه الشريعة تعليلاً عقلياً مخالفاً بذلك الفكر السائد في عصره بأن العبادات غير معقولة المعنى (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٩٨م، ١٥).
وقد ذُكر في سير أعلام النبلاء: أخرجوا الحكيم من تِرمِذ، وشهدوا عليه بالكفر، وذلك بسبب تصنيفه كتاب “ختم الولاية: وكتاب “علل الشريعة”، وقالوا أنه يقول: أن للأولياء خاتماً كالأنبياء لهم خاتم، وأنه يفضل الولاية على النبوة، واحتج بحديث “يغبطهم النبيون والشهداء”، فقدم بلخ فقبلوه لموافقته لهم في المذهب. (الذهبي، شمس الدين، ٢٠٠٤م، ٣٥٦).
وقال السُّلَمِي: “هجر لتصنيفه كتاب ختم الولاية وعلل الشريعة وليس فيه ما يوجب ذلك ولكن لبعد فهمهم عنه”.
والظاهر أن الحكيم الترمذي كان يقصد روح خاتم الأولياء لا شخصه عندما يقول إنه الممد لسائر الأولياء والأنبياء والرسل بعلمهم الباطن. يقول:
“وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه — متى رأوه — إلا من مشكاة خاتم الأولياء. فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف مَن دونهم من الأولياء؟” (ابن عربي، محيي الدين،٢٠٠٣م، ٦٢).
ويقول الحكيم التِرمِذي في وصف معاناته النفسية والاجتماعية من هذه التهمة: “فأصابتني هموم من طريق البهتان والسعايات، وحُمل ذلك على غير محمله، وكثرت القالة، وهان ذلك عليً، وسلط عليً أشباه من ينتحلون العلم: يؤذونني ويرمونني بالهوى والبدعة ويبهتون، وأنا في طريقي ليلاً ونهاراً، دؤوباً دؤوباً، حتى اشتد البلاء، وسار الأمر إلى أن سُعي بي إلى والي بلخ، وورد البلاء من عنده، من يبحث عن هذا الأمر. ورفع إلى أن من يتكلم في الحب، ويفسد الناس، ويبتدع، ويدعي النبوة. وتَقوًلوا عليً ما لم يخطر ببالي، حتى صرت إلى بلخ، وكُتب عليً قباله ألا أتكلم في الحب. وكان ذلك سبباً من الله تبارك اسمه في تطهيري، فإن الغموم تطهر القلب، وذكرت قول داوود عليه السلام أنه قال: يا رب أمرتني أن أطهر بدني بالصوم والصلاة فبم اطهر قلبي؟ قال: بالغموم والهموم يا داوود”. (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٦٥م، ١٧-١٨).وفيما قاله الحكيم التِرمِذي في تلك الرسالة يرد التهمة التي قيلت عنه في كتابه “ختم الأولياء” بأنه يرفع مقام الأولياء فوق مقام الأنبياء، وأن ما قيل إنما هو وشاية قيلت فيه بسبب البغض له، كما أنها كانت بلاء من الله جل شأنه لتطهير قلبه من الذنوب والآثام.غير أن البعض أشار إلى أن كتابه “ختم الأولياء” قد صرح في مواطن عدة بأفضلية الولي على النبي، وفي مواطن أخرى لم يُفهم ما يقصده فاحتاج إلى تأويل (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٩٨م، ١٦).
وقد كانت تلك المحنة التي تعرض لها الحكيم التِرمِذي في حياته ذا أثر بالغ في نفسه وفي حياته، حيث اعتبرها، كما ذكرها في رسالته، أنها كانت بلاء واختباراً من الله تعالي، وكما كانت محنة فأصبحت منحة من الله عز وجل حيث اتخذها وسيلة للتغلب على أهوائه وشهواته وملذاته وتطهيراً لقلبه، حيث ذكر كما أسلفنا ” وكان ذلك سبباً من الله تبارك اسمه في تطهيري”.

شاهد أيضاً

المدينة المنورة

المدينة المنورة ……….. لستُ أدري هل المدينةُ روحي أو فؤادي فقدْ عشقتُ هواها كمْ تمنيتُ …