مقالات في رمضان
الاعياد في الدين
………………………..
في توصيف الاعياد ومفهومها في الدين ، تأخذ بطبيعة دلالاتها معان مختلفة وإن جاءت بمنطق العمومية الذي يدل من اصل الكلمة من عاد يعود فهو كما ورد على لسان ابن الاعرابي عيدا لانه يعود كل سنة بفرح مجدد ويتكرر ، والاعياد شعارات عند كل الاديان والامم الكتابية منها او الوثنية او حتى سواهما وتبقى هذه مرتبطة بطبع الناس والغريزة التي جبلوا عليها فالكل يأسس لذاته مناسبة يحتفل بها ويجتمع مع بنو جلدته ليظهر الابتهاج والارتياح والانشراح .
وبالعودة الى الاعياد في الدين ، وجدت العديد من البحوث والدراسات التي خاضت في تفصيل هذا الموضوع الهام والذي يكاد يغيب عن الكثيرين منا وحتى احيانا بعض رجال العلم والدين ، ولكنني سأحاول تناوله من بحث اجاز فيه موضوعة انواع واشكال الاعياد الدينية عند اهل الكتاب ولعلنا نبتدأ بالديانة اليهودية التي فيها :
(عيد الفصح ، الباكورة ، الاسابيع ، هتاف الابواق ، يوم الكفارة واخيرا الجمع ) .
وعيد الفصح عند اليهودية هو الذي يحتفل به ليلة 14 نيسان من كل عام وهو تاريخ انقاذ الرب لليهود من فرعون كما يعتقدون حين سمح لهم بمغادرة مصر الى صحراء التيه ثم الى ارض كنعان وتعني كلمة الفصح ( العبور ) ، اما عيد الباكورة فيحتفل به اخر ايام عيد الفطيرة حيث تؤخذ اول حزمة من حصاد الشعير وتقدم للرب ، ويتصل هذا العيد مع الحصاد الكبير او عيد الاسابيع فيما بعد والذي جاء ذكره في التوراة ،
وعيد الاسابيع المسمى عيد العنصرة وعيد الخطاب وموعده بعد مضي سبعة ايام بعد الفطيرة ، ويكون العيد في السادس من سيوان (احد اشهر اليهود) وهو الثالث والعشرين من بشنس من شهور القبط في ايلول ، وهو اليوم الذي خاطب فيه الله سبحانه وتعالى بني اسرائيل من طور سيناء وظهرت فيه الوصايا العشر اما عيد هتاف الابواق فيطلق على رأس السنة ( روش هسنة ) وهو اول يوم من الشهر السابع حيث يخصص اليوم للعبادة والراحة على نحو يفوق يوم السبت ، ويوم الكفارة حيث تعترف الامة اليهودية بخطيئتها والتماسها الغفران ويسمى ايضا يوم صوماريا والصوم العظيم ويأتي موعده في اليوم التاسع من تشرين وعيد الجمع وهو الاكثر شعبية وبهجة وموعده في الخريف بعد جني الغلال وتقام فيه الخيم في الحقول وعلى السطوح استذكاراُ لاقامتهم اسرائيل في الخيام بصحراء التيه ايام السبي البابلي .
اما في المسيحية فتشمل اعيادهم الدينية :
( اعياد البشارة والميلاد والفصح والشعانين والغطاس وخميس الاربعين والخميس والختان وخميس العهد وعيد حد الحدود او عيد التجلي او عيد الصليب ).
والمسيحيين عموما يمثلون ثلاث طوائف هم الارثوذوكسية ومعناها الصراط المستقيم والكاثوليكية ومعناها المنشقون والبروستانتية ومعناها المعارضون ، وابرز اعيادهم (البشارة) والمقصود به بشارة مريم بميلاد النبي عيسى المسيح عليه السلام وموعده 29 من شهر برمهارت عند الاقباط اي شهر تموز ، وتأتي كلمة البشارة من قوله تعالى ” إذ قالت الملائكة يامريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة من المقربين ” وعيد الميلاد وهو ذكرى مولد المسيح يوم الاثنين فيحتفلون عشية كل احد بليلة الميلاد ويوقدون المصابيح في الكنائس ، وكانت ولادته في بيت لحم يوم 6 كانون الثاني ، وعيد الفصح وهو من الاعياد الكبرى عند المسيحيين وهو يوم الفطر من صيامهم ويقال ان المسيح قام بعد ثلاثة ايام من الصلب وخلص ادم من الجحيم و اقام في الارض اربعين يوماُ اخرها يوم الخميس ثم صعد الى السماء ، لكنها رواية غير معتمدة تاريخياُ ، عيد الشعانين ومعناه بالعربية التسبيح يحتفلون في اليوم السابع من صومهم ويخرجون بسعف النخيل من الكنيسة ، وهذا اليوم ركب فيه المسيح عليه السلام الحمار في القدس ودخول صيهون وهو راكب والناس من حوله يسبحون بين يديه وهو يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، وعيد الغطاس ووقته 11 مايس ويغمسون فيه المسيحيون اولادهم في الماء وعيد خميس الاربعين وفيه تسلق المسيح عليه السلام من بين تلامذته الى السماء بعد القيام ووعدهم بارسال ( الفر قليط ) وهو روح القدس وعيد الخميس ويقع في السادس والعشرين من ايلول وعيد الختان وهو ختان المسيح عليه السلام في اليوم الثامن لمولده ويقصد به ختان القلب للمؤمنين وعيد الاربعون وعيد خميس العهد او خميس العدس اذ يطبخ فيه العدس وهو العيد الذي اخذ به المسيح عليه السلام العهد من تلامذته بأن لا يتفرقوا وان يتواضعوا .
في حين ان اعياد المسلمين هي ثلاثة يوم الجمعة وعيد الفطر وعيد الاضحى .
ويذكر عيد الجمعة عند جميع المسلمين وهو سابع ايام الاسبوع ويسمى ايضا عند العرب قبل الاسلام بالعروبة وكذلك حربة ، ويحتفل به المسلمون بأقامة شعائر خاصة حيث يجتمعون في المساجد لتأدية صلاة الجمعة ، وذكر في القرآن الكريم بقوله تعالى ” اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ” والجمعة طلعت فيه الشمس وخلق فيه ادم ودخل الجنة ، وعيد الفطر الذي شرع في العام الثاني للهجرة النبوية والثاني عيد الاضحى حيث قام النبي الكريم محمد صل الله عليه وسلم بالتضحية وخرج الى المسجد .
وبذلك يكون العيدان قد شرعا في نفس العام
والفطر هو العيد الثاني بعد عيد الجمعة والاضحى هو العيد الثالث ، وعيد الاضحى ذكر في القرآن الكريم بقوله تعالى ” يابني اني ارى في المنام اني اذبحك فأنظر ماذا ترى ” فيجيب اسماعيل عليه السلام ” ياابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين ” لكن الله سبحانه وتعالى اجاب التلبية “وفديناه بذبح عظيم ” ومن سمات هذا العيد هو التضحية والامل منها بعد الرجوع من الصلاة على عكس عيد الفطر الذي يتضمن بداية الاكل والاعلان عن انتهاء صوم رمضان .
وقد سمي العيد عيداُ ، لانه يعود كل سنة بفرح مجدد وهو عند العرب الوقت المجدد يعود فيه الفرح ، ووردت لفظة عيد في القرآن الكريم عندما طلب النبي عيسى عليه السلام من ربه ان ينزل مائدة من السماء كما في قوله تعالى ” قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا إنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداُ لاولنا وآخرنا ” وكذلك وردت لفظة العيد في احاديث الرسول صل الله عليه وسلم وهي كثيرة منها قوله ( شهران لاينقصان في كل منهما عيد ) وقوله ( اما يوم الفطر ففطركم من صومكم وعيد للمسلمين ) وقوله ( ان لكل قوم عيداُ ، وهذا عيدنا ).
والعيد لم يأت في المسلمين وحسب بل كان معروفاُ عند الجاهلية قبل الاسلام ، ففي قصيدة للشاعر تأبط شراُ ( كما اجازه الباحث خالد احمد حسين العيثاوي ) بقوله :
ياعيد مالك من شوق وإيراق
ومر طيف على الاهوال طراق
وكذلك وردت لفظة العيد في شعر النابغة الذبياني عندما ذكر يوم السباسب وهو احد ايام الاعياد عند العرب قبل الاسلام فيقول :
رقاق النعال طيب حجزاتهم
يحيون بالريحان يوم السباسب
واول اشارة للاحتفال بالعيد قبل الاسلام كانت حين يأتي موسم الحج في شهر ذي الحجة عند العرب ماقبل الاسلام , حيث تحتفل كل قبيلة بحجها وحسب تلبيتها الخاصة بها ، وكان القريشيون يصومون يوم عاشوراء فيعيدون اكساء الكعبة لانهم يعتقدون ان ذلك يزيل الذنوب التي في صدورهم ويكفرون عنها فيصومون يوم عاشوراء ويأتي احتفالهم تأثراُ باليهود الذين عاشوا في يثرب الى جانب القبائل العربية لانهم يعتقدون ان الله نجا موسى حين اغرق آل فرعون واهله .
الحمد لله الذي نفعنا بما علمنا ، وهدانا الى دينه الحق واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
………………………………………………………………
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد