الاحتلال الناعم وجيل بلا انتاج
كتب تامر ياسين
حروب العصر والاحتلال السهل: كيف أصبحنا مستهلكين بلا إنتاج؟
في عصرٍ تتغير فيه موازين القوى بسرعة، لم تعد الحروب تُشن فقط بالسلاح، بل تطورت أدوات السيطرة لتصبح أكثر نعومة وأشد فتكًا. لم يعد الاحتلال يحتاج إلى جيوش جرارة، فاليوم هناك طرق أخرى أكثر ذكاءً وأقل كلفة، تجعل الشعوب تستسلم دون حتى أن تدرك ذلك.
الاحتلال الناعم: كيف أصبحنا مستهلكين؟
لم نعد بحاجة إلى احتلال عسكري مباشر حتى نفقد هويتنا وقدرتنا على الإنتاج. تحولت الدول العربية وغيرها من دول العالم الثالث إلى مجرد أسواق مفتوحة للمنتجات الغربية، وأصبحت العقول الشابة مستهلكة لا مبدعة، تتلقى التكنولوجيا بدلًا من أن تصنعها، وتشاهد بدلاً من أن تشارك في صناعتها.
كل شيء حولنا يعزز هذه الحالة؛ من الإعلام الذي يروج للتفاهة، إلى المناهج التعليمية التي لا تخرج عقولًا مبدعة، وصولًا إلى السياسات الاقتصادية التي تكرس التبعية للغرب. نحن الآن نستهلك كل شيء، من التكنولوجيا إلى الأفكار وحتى القيم، دون أن نكون قادرين على إنتاج شيء حقيقي يضعنا في موضع المنافسة.
جيل بلا إنتاج: من المسؤول؟
جيل اليوم نشأ في بيئة تكرس الاستهلاك على كل المستويات. الإعلام يقدم نماذج سطحية وتافهة على أنها رموز النجاح، بينما يتم إقصاء العلماء والمفكرين الحقيقيين. التعليم لم يعد يركز على بناء العقول بقدر ما يهدف إلى تخريج موظفين يخدمون مصالح كبرى الشركات العالمية. حتى الحكومات في كثير من الدول لم تعد تهتم بتطوير البحث العلمي أو دعم الصناعات المحلية، بل أصبحت تعتمد كليًا على الاستيراد.
في حين أن الغرب يستثمر في البحث العلمي، ويطور التكنولوجيا، ويسيطر على الأسواق، نحن ما زلنا عالقين في دوامة الاستهلاك، ننتظر ما ينتجه الآخرون لنستخدمه دون أن نشارك في صناعته.
هل من حل؟
السبيل للخروج من هذه الأزمة ليس سهلًا، لكنه ممكن. يبدأ الحل بإعادة النظر في التعليم، وتقديم محتوى إعلامي يعزز قيم الإنتاج والابتكار، وتشجيع الشباب على تطوير مهاراتهم بدلًا من إضاعة الوقت في متابعة مشاهير بلا قيمة. كما يجب على الحكومات دعم الصناعات المحلية، والاستثمار في التكنولوجيا، والتخلص من عقلية التبعية الاقتصادية.
إذا لم نبدأ اليوم، فإن الفجوة بيننا وبين العالم المتقدم ستزداد، وسنظل مجرد سوق استهلاكي يتحكم فيه الآخرون. المطلوب هو ثورة فكرية تعيد للأجيال القادمة القدرة على الإنتاج، حتى لا نبقى دائمًا في مؤخرة الركب بينما يتقدم الآخرون.