جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 
الإمام الأكبر الدكتور (عبدالحليم محمود) السلف الصالح كما ينبغي
إعداد/ محمد احمد غالى
العارف بالله الامام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود من مواليد محافظة الشرقية مركز بلبيس، عزبة أبو أحمد التابعة لقرية السلام. كان ميلاده في ٢ جمادى الأولى ١٣٢٨هـ، الموافق ١٢ مايو ١٩١٠م. وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه. نشأ في أسرة عريقة كريمة مشهور عنها الصلاح والتقوى (محمود، عبدالحليم، 1985م، 30). فى بداية حياته حفظ القرآن الكريم، وفى عام ١٩٢٣م التحق بالأزهر الشريف ليحصل منه على الشهادة العالمية فى عام ١٩٣٢م، بعدها سافر إلى فرنسا على نفقته الشخصية لإستكمال تعليمه العالي، اثر ان يدرس تاريخ الاديان وعلم الاجتماع والفلسفة وحصل فى كل منها على شهادة عليا، نجح بعدها فى الالتحاق بالبعثة الازهرية التى كانت تدرس هناك فى نهاية العام 1937م، وفاز بالنجاح فيما اختاره من علوم لدراسة الدكتوراه فى التصوف (عبدالرحمن، سعيد، 1992م، 15). كانت الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عن استاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي، وفى اثناء اعدادها قامت الحرب العالمية الثانية فى سيتمبر عام 1939م، واثر كثير من زملائه العوده ولكنه بالايمان القوي والعزيمة الصلبه اصر على تكملة الرسالة وبلوغ هدفه وتحدد يوم 8 يونيو عام 1940م موعدا للمناقشة، ليحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في عام ١٩٤٠م بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها باللغة الفرنسية (عبدالرحمن، سعيد، 1992م، 16).
بعد عودته عمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين عام ١٩٥١م، فى عام ١٩٦٤م عين عميدا لكلية أصول الدين، وفي عام ١٩٧٠م عين وكيلا للأزهر (عبدالرحمن، سعيد، 1992م، 16)، فوزيرا للأوقاف وشئون الأزهر ، ثم شيخا للأزهر الشريف فى عام ١٩٧٣م وحتى عام ١٩٧٨م وهو العام الذي توفي فيه. ترك لنا تراث ضخم من العلم والمعرفة حيث ألف حوالي ١٠٠ كتاب كانت كافية أن توضح لنا فكره ومنهجه ورؤيته وثقافته وعلمه، فقد صنف الكثير من التصانيف النافعة، معظمها فى التصوف وتراجم نبلاء الصوفيه، فمن تصانيفه: “أبو مدين الغوث، المدرسة الشاذلية، أبو الحسن الشاذلي، أبويزيد البسطامي” (الطعمي، محيى الدين، 1992م، 77)، وله غيرها الكثير ايضا منها : ” أستاذ السائرين الحارث المحاسبي، الرعاية لحقوق الله للمحاسبي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، الإسراء والمعراج، العارف بالله أبو الأنوار شمس الدين الحفني، الإسلام والعقل، الإمام الرباني الزاهد عبد الله بن المبارك ، القرآن في شهر القرآن، العارف بالله بشر بن الحارث الحافي، العارف بالله سهل بن عبد الله التستري حياته وآراؤه، الحمد لله هذه حياتى”، بالإضافة إلى عشرات المقالات واللقاءات والخطب التليفزيونية والإذاعية وعلى المنابر في المساجد تظهر لنا علمه الغزير وفلسفته الفذة وأسراره الروحانية التى أبهرتنا وما زلت تبهرنا حتى الأن.
كانت رؤيته فى منامه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بشرى عظيمة لنصر أكتوبر، فلم يكن أحد يعرف موعد الحرب الا قادة الجيش المصرى والشيخ عبد الحليم محمود والذى رأى فى المنام أن النبى (ﷺ) يبشرة بالحرب ويعبر قناة السويس ومعه عدد من علماء المسلمين وجيش مصر الباسل وكانت هذه الرؤية بمثابة طمئنة لقلب الرئيس السادات الذى اتخذ قرار الحرب بعدها وأخبر به شيخ الازهر. فى عهده خطا الأزهر الشريف خطوات مباركة نحو الرقي والازدهار وتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية على نحو غير مسبوق، وجعل للأزهر رأيا وبيانا في كل موقف وقضية، وأصبح الأزهر منارة فى الاجتهاد والبحث والانفتاح على جميع الملل والنحل. وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما اقنع الشيخ المسؤولين بتخصيص قطعة ارض فسيحة بمدينة نصر، كي تضم المجمع واجهزته العلمية والادارية الى جانب قاعات فسيحة للاجتماعات (عبدالرحمن، سعيد، 1992م، 16).
اتخذ الامام المنهج التربوي بجانب منهجه الفلسفي فعني بالبحوث والدراسات الفلسفية وبالتربية السلوكية فاخرج بحثا قيما القاه فى المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الاسلامية بعنوان دور المؤسسات فى بناء شخصية المسلم (عبدالرحمن، سعيد، 1992م، 33). وبعد عطاء سخي وكريم فى حياة حافلة بالعلم والعطاء والخير وافته المنية فى يوم الثلاثاء الموافق ١٥ ذو القعدة ١٣٩٨هـ، ١٧ اكتوبر ١٩٧٨م. رحم الله العالم الجليل الدكتور عبدالحليم محمود وأسكنه فسيح جناته.
