الإصطلام 

الإصطلام 
كتب سمير ألحيان إبن الحسين
__ الحب الاصطلامي هو ذلك الشعور المباغت الذي يخطف القلب بلا استئذان ولا إنذار يطرق أبواب الروح فجأة كما تداهم العاصفة حقلا ساكنا في غير أوانه فلا يميز بين شيخ منحني الظهر وشاب يملأه الطموح ولا يفرق بين متزوج قد ظن أنه استقر على شاطئ الأمان وبين أعزب تائه في بحار الانتظار إن الحب الاصطلامي لا يسأل عن ماض ولا عن حاضر لا يطلب بطاقة هوية ولا يعترف بقوانين البشر يقتحم النفس كالحريق لكنه حريق ينعش ولا يحرق يوقظ في القلب معاني ظنها النائمون قد بادت ويعيد للعقل لحظات من الدهشة الطفولية التي لم يعد يعرفها إلا في الذكريات
الحب الاصطلامي كالكهرباء السارية في عروق الزمن يهب فجأة في لحظة عابرة قد تكون في نظرة صدفة في كلمة عابرة في ظل إنسان غريب يصبح بعد لحظات أغلى من الروح وأقرب من النبض نفسه هو إعصار داخلي لا يقيم وزنا لمنطق أو حساب لا يتوقف أمام جدار العادات ولا يطلب إذنا من قوانين المجتمع بل يكسر القيود بعنف الحنين ويزرع في القلب شجنا لا يمكن تفسيره إلا بأن الأرواح تتلاقى على غير ميعاد وتتعانق فوق حدود الجسد والزمن
في الحب الاصطلامي تجد الشيخ الذي حسب أن قلبه قد شاخ يعود مراهقا يتلعثم إذا تكلم ويضيع إذا حاول أن يخفي ما يشعر به وتجد الشاب الذي ظن نفسه قويا أمام كل العواطف ينهار خجلا أمام ابتسامة مباغتة ويهيم بخيال امرأة لم يعرفها إلا بنظرة واحدة وتجد المتزوج الذي رسم لنفسه حياة مستقرة يتيه فجأة في شعور جديد لا يدري كيف جاء ولا لماذا طرق قلبه الآن وتجد الأعزب الذي عاش يتسلى بين الوجوه يرى فجأة أن كل العالم لا يساوي نظرة من عيون معينة كل هذا يحدث لأن الحب الاصطلامي ليس قرارا ولا خطة إنه قدر مكتوب في صفحة لا يقرأها أحد إلا حين يحين موعدها
ومن عجائب هذا الحب أنه يجمع بين التناقضات يزرع الابتسامة في عين دامعة ويوقظ الحنين في قلب ظن أنه مات ويمنح الأمل حتى في لحظات اليأس القاتل وربما يكون قاسيا جارحا لكنه مع ذلك يترك أثرا جميلا كالنار التي تحرق الغابة لكنها في النهاية تعيد لها الحياة بشكل آخر أجمل وأشد اخضرارا
الحب الاصطلامي يعلمنا أن القلوب لا تشيخ وأن الأرواح لا تهرم وأن الإنسان في أعماقه طفل ينتظر لحظة اللقاء العجيب لحظة تصطلم فيها مشاعره فلا يعود هو نفسه ولا يعود العالم حوله كما كان يراه قبل تلك اللحظة إنه لحظة تسرق العمر كله لكنها تملؤه في نفس الوقت بروعة الشعور وروعة الألم وروعة الحياة

شاهد أيضاً

قد جعلها ربي حقا 

قد جعلها ربي حقا  كتب سمير ألحيان إبن الحسين __ومن قال أن الخندق خندق واحدة؟ …