اسرار اثيوبيا وإسرائيل

اسرار اثيوبيا وإسرائيل

 

في شهر يوليو 2025 طالعتنا التقارير الصحفية انه بعد رفض مصر والأردن لخطة تهجير اهل غزة اقترح السياسيين 3 مناطق بديلة لتهجير الشعب الفلسطيني وفوجئنا ان المناطق البديلة هي ( ليبيا – اندونسيا – اثيوبيا ) ولكن كانت اكبر المفاجئات ان اثيوبيا من الدول الثلاثة باعتبارها وجهه لتهجير اهل غزة  خاصة بعد خلاف مصر والسودان مع دولة اثيوبيا بسبب بناء اثيوبيا لسد النهضة بدون الاتفاق مع دول المصب ( مصر – السودان) جعلنا اختيار اثيوبيا بالتحديد كوجهه محتملة لتهجير اهل القطاع لدراسة وتحليل وتاريخ العلاقة الاثيوبية الإسرائيلية خاصة بعلمنا عن خطط إسرائيل للاضرار بالدول العربية الغير صديقة لإسرائيل مثل مصر   .

 بداية العلاقة

 بدأت العلاقة في 6 نوفمبر 1956 عندما ارسل رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت ديفيد بنجوريون رسالة الي امبراطور اثيوبيا هيلا سيلاسي تنص الرسالة علي  ان :

 مساعدة الاتحاد السوفيتي لمصر في بناء السد العالي في اسوان تشكل مصدر خطر علي جيران مصر الافارقة ولسوء الحظ هناك وعي ضعيف في العالم ان النيل ليس نهرا مصري حصريا بل هو قبل كل شيء نهر اثيوبي سوداني ولقد أصدرت تعليماتي لجميع ممثلينا في الخارج بذكر هذه الحقيقة الجغرافية في اتصالاتهم مع الحكومات وصناع القرار علي امل ان تكتسب اثيوبيا القوة وان توقف السياسة العدائية والتخريبية لجارتها الشمالية ( ويقصد بها مصر ) .

 استراتيجية تحالف المحيط ( Alliance of the periphery )

في اطار سعي بنجوريون لتطويق الدول العربية المعادية لإسرائيل وعلي راسها مصر ارسل بنجوريون رسالة الي الرئيس الأمريكي ايزنهاور يشرح له انه يسعي الي تكوين تحالف غير رسمي وغير علني للمساعدة المتبادلة والجهود المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها بهدف الوقوف بثبات ضد التوسع السوفيتي من خلال عبد الناصر ولقد بدانا في تقوية وتعميق علاقتنا مع 4 دول مجاورة تشكل المحيط الخارجي للشرق الأوسط هي ( ايران – السودان – اثيوبيا – تركيا )ووافقت أمريكا علي الخطة وبدات إسرائيل بتقوية علاقتها بهذه الدول وخاصة اثيوبيا .

كانت اثيوبيا من ضمن 10دول امتنعت عن التصويت علي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 المتعلق بتقسيم فلسطين عام 1947 وذلك بسبب عدم رغبة اثيوبيا في استعداء العالم الإسلامي والعربي وخاصة المحيطين بها وانعكس ذلك علي قرار اثيوبيا بعدم الاعتراف بإسرائيل عام 1949 خوفا أيضا من رد فعل الدول العربية والإسلامية ولكن هذا لم يمنع إسرائيل من تقوية علاقتها بأثيوبيا منذ منتصف الخمسينات ففي عام 1955 حضر وفد إسرائيلي رفيع المستوي اليوبيل الفضي للامبراطور وقرر الطرفين إقامة علاقات دبلوماسية تمثلت في انشاء إسرائيل قنصلية في اديس ابابا وفتحت اثيوبيا قنصلية في القدس المحتلة وساعد في تقوية العلاقات الإسرائيلية الاثيوبية في ذلك الوقت 3 ملفات رئيسية :

 الأول – انشاء السد العالي بأسوان

الثاني- ملف استقلال الكنيسة الارثوذكسية الاثيوبية عن الكنيسة القبطية المصرية

الثالث – دعم مصر لملف استقلال اريتريا عن اثيوبيا

فتح امبراطور اثيوبيا هيلا سيلاسي البلاد امام الاسرائيلين وسمح لهم بأقامة مشاريع تجارية وصناعية ومركز استخباراتي علي البحر الأحمر وفي أواخر الخمسينيات نفذت إسرائيل مشاريع زراعية الي جانب برامج  تعليمية وتدريبية للأساتذة والطلاب وكان الإسرائيليون يستوردون لحوم البقر وكذلك قامت إسرائيل بتدريب القوات العسكرية الاثيوبية  مثل الكوماندوز وحرس الحدود حتي اصبح للاسرائيلين في اثيوبيا نفوذ كبير جدا لدرجة ان حراسة الرئيس عبد الناصر عند حضوره اول اجتماع لمنظمة الوحدة الافريقية باديس ابابا كانت مدربة علي يد اسرائيلين .

 وفي عام 1958 اتفقت كل من إسرائيل واثيوبيا ومعهم ايران وتركيا بشكل سري لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني وذلك لمناهضة فكرة القومية العربية التي يتزعمها الرئيس جمال عبد الناصر بمصر وكذلك احتواء النفوذ السوفيتي بالمنطقة

تمثل النفوذ الإسرائيلي داخل اثيوبيا في المجالات الاقتصادية مثل شركة انكودا           ( Incoda ) الذي كان ستارها تصدير اللحوم الاثيوبية الي إسرائيل ولكن حقيقتها محطة استخباراتية للموساد ومخزن ضخم للأسلحة الإسرائيلية .

 التعاون الأمني والاستخباراتي الاثيوبي الإسرائيلي وصل الي انقاذ امبراطور اثيوبيا هيلا سيلاسي من 3 محاولات انقلاب احدها في عام 1963 كان هيلا سيلاسي في زيارة الي البرازيل فقام مجموعة من ضباط الحرس الامبراطوري بمحاولة انقلاب للسيطرة علي السلطة ولكن إسرائيل وامريكا ساعدوا سيلاسي للتواصل مع حلفاؤه العسكريين والسياسين للسيطرة علي الانقلاب وارسلت إسرائيل طائرة خاصة للبرازيل لنقل سيلاسي من البرازيل لاسمرة بأريتريا لادارة السيطرة علي الانقلاب وافشاله وبالفعل عاد الامبراطور الي قصره بعد نجاحة في القضاء علي الانقلاب وبرغم ذلك ظلت اثيوبيا حذرة في علاقتها مع إسرائيل وفضلت ان تكون العلاقة في طي الكتمان والسرية ولكن الإسرائيليين لم يحاولوا إخفاء علاقتهم باديس ابابا فقاموا برفع مستوي التمثيل الدبلوماسي الي مستوي سفارة بأديس ابابا عام 21962ولكن الاثيوبيين لم ينتهجوا نفس النهج وحتي العسكريين والمسؤولين الإسرائيليين باثيوبيا وجودهم كان سريا وغير علني واثناء الزيارة الغير علنية لكل من نائب رئيس اركان الجيش الإسرائيلي  اسحق رابين ونائب وزير الدفاع الإسرائيلي شيمون بيريز الي اديس ابابا والتي اقاموا بها أسبوع كامل وقابلوا خلالها امبراطور اثيوبيا ووزير الخارجية ورئيس الوزراء الاثيوبي وذهبوا جميعا لزيارة النيل الأزرق والذي وصفه شيمون بيريز انه المكان الذي تبدا منه حياه مصر وبعد عودته لإسرائيل كتب تقرير من 40 صفحة عن اثيوبيا ومصالح إسرائيل هناك كان من اخطر ما كتبه ان اثيوبيا تقع جنوب مصر ومعها مفتاح مستقبل مصر لانها تسيطر علي النيل الأزرق وأضاف ان اثيوبيا تريد التحالف التدريجي مع إسرائيل وصرح بيريز أيضا بمقولة بناء مصر ثانية في افريقيا بمعني المساعدة في تحويل القوة الاقتصادية والعسكرية لاثيوبيا الي قوة مضادة لمصر ومنح الافارقة محور اخر .

موقف اثيوبيا بعد حرب 1967

بعد الهجوم الإسرائيلي المباغت علي مصر والدول العربية اتخذت اثيوبيا موقف الحياد السياسي و طالبت بالتهدئة وضبط النفس والانسحاب الي حدود ما قبل عام 1967  ولكن ظل التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي قائما بشكل سري كما هو معتاد حتي قيام حرب 1973

الموقف الاثيوبي اثناء حرب 1973

تخلت اثيوبيا عن حيادها بعد ان وجدت تحالف عربي كبير وموقف عربي موحد لذا أصدرت الحكومة الاثيوبية بيان مفادة ان الحكومة الاثيوبية بذلت جهود كبيرة لحث إسرائيل علي الانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 وبما ان إسرائيل متعنتة في الانسحاب فستضطر اثيوبيا الي قطع علاقتها بأسرائيل حتي يتم الانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية ولكن أيضا كما المعتاد برغم قيام اثيوبيا بتخفيض العلاقات الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل الا ان التعاون ظل مستمرا أيضا بصورة سرية حفاظا علي علاقة اثيوبيا بالدول العربية والإسلامية .

انقلاب الجيش  علي الحكم الامبراطوري

 في عام 1974 حدث انقلاب عسكري علي حاكم اثيوبيا هيلا سيلاسي انهي الحكم الامبراطوري المتعاون مع إسرائيل سرا وبرغم الانقلاب اضطرت القيادة الجديدة لاستمرار التعاون  السري مع إسرائيل لسد احتياجاتها في الملف الأمني والاستخباراتي وخاصة اثناء الحرب مع اريتريا حيث استعان وزير الخارجية الاثيوبي بأسرائيل لتسهيل شراء أسلحة أمريكية .

تصريحات موشيه ديان

في عام 1978واثناء لقاء تلفزيوني صرح وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت موشيه ديان انه توجد علاقات قوية مع اثيوبيا في الملف الأمني والاستخباراتي والاقتصادي وانه لا داعي لاخفاء الامر وصرح أيضا ان إسرائيل تبيع الأسلحة لاثيوبيا لمساعدتها في الحرب ضد الصومال وان من مصلحة إسرائيل إقامة علاقات مع اثيوبيا

هذا التصريح شكل صدمة كبيرة للمسؤلين الاثيوبيين  فالتعاون الاثيوبي الإسرائيلي بالفعل قائم منذ الخمسينات ولكنه كان سري وغير معلن فطوال هذه الفترة حرصت اثيوبيا علي إبقاء علاقتها مع إسرائيل في طي الكتمان حفاظا علي علاقاتها مع الدول العربيه والإسلامية وبمجرد ظهور هذا التصريح قرر الرئيس الاثيوبي في ذلك الوقت مانجستو طرد كل الخبراء الإسرائيليين من اثيوبيا وقطع العلاقات حتي لا تتاثر العلاقات الاثيوبية العربية ولكن لم يتم قطع العلاقات بصورة كاملة وتم الإبقاء علي عدد من الملفات أهمها ملف نقل اليهود الاثيوبيين الي إسرائيل والمعروفين باسم :

 يهود الفلاشا والتي أعلنت إسرائيل برغبتها في نقلهم اليها وأصبحت العلاقة تتلخص في حصول اثيوبيا علي السلاح مقابل نقل يهود الفلاشا وخاصة اثناء الحرب الاثيوبية الاريترية .

 وفي ظل ضعف وهشاشة النظام الحاكم باثيوبيا سقط نظام مانجستو عام 1991 بعد دخول قوات التجراي الي مناطق واسعة باثيوبيا بلا مقاومة .

بعد سقوط نظام مانجستو حرصت الحكومة الجديدة علي توطيد العلاقات مع إسرائيل وافتتحت سفارة في تل ابيب عام 1992 ولكن اثيوبيا الان بالنسبة لإسرائيل ليست كاثيوبيا الامس حيث فقدت سيطرتها علي المنافذ البحرية علي البحر الأحمر بعد انفصال اريتريا وفقدانها السيطرة علي ميناء عصب وبورتو سودان علي البحر الأحمر وأصبحت دولة حبيسة ولكن استمر التعاون الاثيوبي الإسرائيلي واستمرت إسرائيل تزود اثيوبيا بالسلاح وذلك مقابل نقل يهود الفلاشا لإسرائيل حتي عام 2003 والتي وقع فيها كلا البلدين اتفاقية استثمار ثنائية وبدأ الطرفين التعاون في ملفات مختلفة اقتصادية وعسكرية وامنيه بصورة علنية وليست سرية كما مضي

  خطة محاصرة مصر من الجنوب

العلاقات الاثيوبية الإسرائيلية أصبحت محل شك من جانب مصر والسودان خاصة بعد قيام اثيوبيا ببناء سد النهضة عام 2011 والذي عارضته مصر والسودان بسبب تاثيراته المحتملة علي حصص مياه النيل لكلا البلدين وكذلك بعد ورود انباء عن قيام إسرائيل بتسليم اثيوبيا منظومة سبايدر(  Spyder ) للدفاع الجوي قصير ومتوسط المدي و التي تنتجها شركة رفائيل الاسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة Rafael) Advanced Defense Systems ) لحماية سد النهضة ولكن لا يوجد دليل واضح في وجود دور إسرائيلي في عملية بناء السد لانه اذا اكتشف وجود دور إسرائيلي واضح في عمليه بناء السد فيعتبر هذا مؤشر خطير لتنفيذ المشروع الإسرائيلي القديم الذي يهدف لمحاصرة مصر والاضرار بها ومؤخرا صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمشاركة امريكا بتمويل بناء سد النهضة ووصف هذا التمويل بالغبي .

اشرنا ان العلاقات الاثيوبية الإسرائيلية أصبحت علنية وليست سرية كما في السابق ففي عام 2016 قام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو بزيارة رسمية لاثيوبيا هي الاولي من نوعها لمسؤل إسرائيلي رفيع المستوي

 في عام 2019 زار رئيس وزراء اثيوبيا ابي احمد إسرائيل ووصل التعاون الإسرائيلي الاثيوبي في عهد ابي احمد الي درجات غير مسبوقة وتعتبر إسرائيل اثيوبيا ركيزة أساسية لنفوذ إسرائيل في افريقيا وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2025 الي  114 مليون دولاربالمقارنة ب 99 مليون دولار عام 2015 .

 

                                                                                                                                بقلم

                                                                                                                               محمد نصار

 

شاهد أيضاً

لغز اختفاء مصري في الغربه بالسعودية بعد تعرضه لحادث سير خطير

لغز اختفاء مصري في الغربه بالسعودية بعد تعرضه لحادث سير خطير متابعة: ستيرة عطية  أطلقت …