أخبار عاجلة

إني جاعل في الأرض خليفة

            في رحاب سورة البقرة…. تفسير الأية رقم 30

                                                        محمد أبوالنصر.

قال تعالى{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)سورة البقرة

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ} أي اذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك{وَإِذْ} ظرف زمان منصوب بفعل محذوف تقديره: اذكر حين أو اذكر وقت، وقد يصرح بالمحذوف كقوله تعالى: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ} [الأنفال: 26] قال المبرد: إذا جاء «إِذْ» مع مستقبل كان معناه ماضياً نحو قوله {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} [الأنفال: 30] معناه إِذْ مكروا، وإِذا جاء «إِذا» مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله {فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى} [النازعات: 34] و {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله} [النصر: 1] أي يجيء.

{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} أي خالق في الأرض ومتخذ فيها خليفة يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم أو قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل

و{خَلِيفَةً} الخليفة: من يخلف غيره وينوب منابه، فعيل بمعنى فاعل والتاء للمبالغة، سمي خليفة لأنه مستخلف عن الله عَزَّ وَجَلَّ في إجراء الأحكام وتنفيذ الأوامر الربانية قال تعالى {ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} [ص: 26] الآية

والآية فيها التعرض بعنوان الربوبية {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} مع الإضافة إلى الرسول عليه السلام للتشريف والتكريم لمقامه العظيم وتقديم الجار والمجرور {لِلْمَلاَئِكَةِ} للاهتمام بما قُدّم، والتشويق إلى ما أُخّر. قال بعض العلماء: في إِخبار الله تعالى للملائكة عن خلق آدم واستخلافه في الأرض، تعليمٌ لعباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها.
والحكمة من جعل آدم عليه السلام خليفة هي الرحمة بالعباد – لا لافتقار الله – وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة، ولا بواسطة مَلَك، فمن رحمته ولطفه وإِحسانه إِرسال الرسل من البشر.

{قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} أي قالوا على سبيل التعجب والاستعلام: كيف تستخلف هؤلاء، وفيهم من يفسد في الأرض بالمعاصي {وَيَسْفِكُ الدمآء} أي يريق الدماء بالبغي والاعتداء!! {وَيَسْفِكُ} السفك: الصب والإِراقة لا يستعمل إِلا في الدم قال في المصباح: وسفك الدم: أراقة وبابه ضرب

قال الحافظ ابن كثير: وقول الملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} الآية ليس هذا على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، وإِنما هو سؤال استعلام واستكشاف عين الحكمة في ذلك، يقولون: ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض؟
وقال في التسهيل: وإِنما علمت الملائكة أن بني آدم يفسدون بإِعلام الله إِياهم بذلك، وقيل: كان في الأرض جنٌ فأفسدوا، فبعث الله إِليهم ملائكة فقتلتهم، فقاس الملائكة بني آدم عليهم.

{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي ننزهك عما لا يليق بك متلبسين بحمدك {نُسَبِّحُ} التسبيح: تنزيه الله وتبرئته عن السوء، وأصله من السَّبْح وهو الجري والذهاب قال تعالى {إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} [المزمل: 7] فالمسَبِّح جارٍ في تنزيه الله تعالى

{وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نعظم أمرك ونطهرّ ذكرك مما نسبه إِليك الملحدون {وَنُقَدِّسُ} التقديس: التطهير ومنه الأرض المقدسة، وروح القدس، وضده التنجيس، وتقديس الله معناه: تمجيده وتعظيمه وتطهير ذكره عما لا يليق به وفي صحيح مسلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يقول في ركوعه وسجوده «سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكةِ والرُّوح

{قَالَ إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي أعلم من المصالح ما هو خفيٌ عليكم، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونه

وللحديث بقية

#الترتيب_والتنوير_على_صفوة_التفاسير .
#محمد_أبوالنصر.

شاهد أيضاً

الوعي مرض المثقفين 

الوعي مرض المثقفين  كتب سمير ألحيان إبن الحسين محنة العقل في ضل أزمة الوعي العربي …