بقلم / عبدالواحد الجاسمى
في المجتمعات المتقدمه ثقافيا تنتج العقل النظري بوصفه قوة إنتاج رئيسية تساهم في الرقي والتقدم التكنلوجي الصناعي ولما كانت الفلسفة جزءاً لا يتجزأ من العقل النظري، فإنه يمكن إعتبارها ((قوة رئيسية من قوى الإنتاج))
التي تجسد العلم عمليا وإنتاجيا، تحمل في باطنها مختلف الفلسفات. ((إن الفلسفة هي شرط أساسي من شروط تكون الحقب التاريخية الرئيسية، على الأقل منذ الإغريق، فهي شرط أساسي من شروط تكون الأمم الحديثة المستقلة)). الفلسفة بالمعنى التاريخي ((ماضية في طريقها والمساهمة الفعالة في خلق التاريخ بغض النظر عن النقاشات المهنية ضيقة الأفق، التي تجري في المجتمعات المهمشة، بصدد حق الفلسفة في الوجود، إنها جزء لا يتجزأ من الوعي البشري وتاريخه، كما إن كل إنسان هو فيلسوف عفويا بحكم كونه إنساناً)) هكذا قال أنطونيو جرامشي. فهي ملازمة للإنسان أنى كان ومتى وجد، لكنها تحتاج إلى توافر ظروف تاريخية معينة حتى تتجلى مستقلة عن غيرها من النظم الفكرية، أي بوصفها نظاماً فكريا متخصصا يستلزم تدريبا معينا ويرتكز إلى تراث فكري معين متميز عن غيره، وهي، بهذا المعنى التاريخي، لها حضورها ووظائفها وبنيتها التاريخية المتميزة.
فهي إذاً جزء من مسيرة التاريخ والوعي، ولا تنشأ في مجتمع بقرار ذاتي، ولا برغبة ذاتية، وإنما بتوفير ظروف إجتماعية تنموية معينة، وبممارستها تلبية لحاجات إجتماعية ثقافية معينة ففي مجال الإعتقاد الواعي توجد تلك الآراء والأفكار التي يعيش الإنسان بواسطتها، سواء عَبَّر عنها بوضوح أو لم يُعَبِّر، إذ إننا لسنا مخيرين بين أمرين:
أن تكون لنا فلسفة أو لاتكون.
فالفلسفة إذاً هي شرط جوهري من شروط إنتاج معرفة جديدة. لذلك، فإنها تدخل جوهرياً في تركيب العقل النظري في كل الحضارات البشرية، إنها ملازمة للعلم أنى وجد، ليس لأنها علم أو آلة فكرية لإنتاج المعرفة، وإنما لأنها تؤسس للعلم وإنتاج المعرفة القويه وحريتها المطلقة.
لذلك، يمكن القول إن أخذ المجتمع بالمعرفة العلمية الدقيقة على محمل الجد هو الذي يخلق المناخ المناسب لازدهار الفلسفة، ((فالفلسفة هي تعبير دقيق عن مكانة المعرفة الدقيقة في المجتمع وعن جدية العناية بها. إن الفلسفة والمعرفة العلمية لا يفترقان)).