إعداد/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع السعادة الحقيقية، وتشمل السعادة في الإسلام مرحلتين، هما السعادة الدنيوية، وقد أتى الإسلام بضوابط وشرائع تكفل للإنسان سعادته في الدنيا، لكنه يقر بأن الحياة الدنيا ما هي إلا درب للوصول للآخرة، وأن عليه أن يسعى للعمل الصالح في الدنيا للوصول لسعادة الآخرة، فقد قال تعالى “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة” وقال سبحانه وتعالى “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا” وأما عن السعادة الأخروية فهى السعادة التي تتصف بالكمال والديمومة والخلود، وهي ما يجنيه المرء جراء عمله الصالح في حياته الدنيا، وفيها يقول تعالى “الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون”.
كما يقول تعالى “للذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين” وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أن لسعادة العبد ثلاثة مقومات “إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر” وقال سفيان الثوري رحمه الله “ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث، أخ ثقة في الله أكتسب من صحبته خيرا، إن رآني زائغا قومني أو مستقيما رغبني، ورزق واسع حلال ليست لله علي فيه تبعة، ولا لمخلوق علي فيه منة، وصلاة في جماعة أكفى سهوها وأرزق أجرها” وإن الأسباب التي تحصل بها الحياة الطيبة، ويتم بها السرور والابتهاج، ويزول عنها الهم والغم كثيرة، ومن أهمها هو الإيمان والعمل الصالح، فأهل الإيمان يتلقون ما يسرهم بالقبول لها وشكر الله عليها.
واستعمالها فيما ينفع، وبالتالي يحصل لهم الابتهاج بها والسرور، ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالصبر الجميل، واحتساب الأجر والثواب , فقال صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” رواه مسلم، وكذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف، فإن ذلك يدفع الله تعالى به عن البر والفاجر الهموم والغموم، لكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، إذ يتميز إحسانه بأنه صادر عن إخلاص واحتساب، فيهون الله عليه بذلك المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، وأيضا الاشتغال بعمل من الأعمال.
أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وأيضا اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي، فيصلح يومه ووقته الحاضر، ويجد ويجتهد في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم، وكذلك الإكثار من ذكر الله، فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب.
وزوال همه وغمه، قال تعالى ” أَلا بذكر الله تطمئن القلوب ” وكذلك النظر إلى من هو أسفل منه، كما قال صلى الله عليه وسلم “انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” رواه البخاري ومسلم، فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله، وأيضا السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها، وكذلك تقوية القلب.