إسلاميات…. مع وما الحياة الدنيا … ؟
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
هى حقيقة من الحقائق، وبينة من البينات، وآية عظيمة من آيات الله عز وجل، فيها أحوال وأمواج إنها الدنيا الفانية، فيقول تعالى موهنا أمر الدنيا، ومحقرا لها “اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة” أي إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية، ونعمة زائلة فقال “كمثل غيث” وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، فأعجب الزراع بنبات ذلك المطر، وكذلك تعجب هذه الحياة الدنيا الكفار، فإنهم أحرص شيء عليها، وأميل الناس إليها “ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما” أي يابسا متحطما، فالحياة الدنيا تكون كذلك شابا، ثم كهلا، ثم عجوزا شمطاء، والإنسان يكون كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه.
غضا طريا لين الأعطاف بهيّ المنظر، ثم يكبر، فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى قليل الحركة يعجزه الشيء اليسير، كما قال تعالى فى سورة الروم ” الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير” ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة، وأن الآخرة كائنة لا محالة حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير فقال تعالى ” وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”أي وليس في الآخرة آلاتية القريبة إلا هذا أو هذا إما عذاب شديد، وإما مغفرة من الله ورضوان، وقوله تعالى ” وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”
أي هي متاع فانى غار لمن ركن إليه، فإنه يغتر بها وتعجبه، حتى يعتقد أنه لا دار سواها، ولا معاد وراءها، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى دار الآخرة، وإن حب الدنيا ﻳﻠﻬﻲ ﻋﻦ ﺣﺐ الله تعالى ﻭﺫﻛﺮﻩ، ﻭﻣَﻦ ﺃﻟﻬﺎﻩ ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله عز وجل ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﻳﻦ، وﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﻣﻔﺴﺪﺍ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ، وذلك لأنه ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺗﻌﻈﻴﻤﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺣﻘﻴﺮﺓ ﻋﻨﺪ الله عز وجل، وﺃﻥ الله ﻟﻌﻨﻬﺎ ﻭﻣﻘﺘﻬﺎ ﻭﺃﺑﻐﻀﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻣَﻦ ﺃﺣﺐ ﻣﺎ ﻟﻌﻨﻪ الله ﻭﻣﻘﺘﻪ ﻭﺃﺑﻐﻀﻪ، ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﻭﻣﻘﺘﻪ ﻭﻏﻀﺒﻪ، وﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺒﻬﺎ ﺻﻴَّﺮﻫﺎ ﻏﺎﻳﺘﻪ، ﻭﺗﻮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﻬﺎ الله ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻓﻌﻜﺲ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻗﻠﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﺎﻧﺘﻜﺲ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺍﻧﻌﻜﺲ ﺳﻴﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻭﺭﺍﺀﻩ.
وﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻔﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﻪ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻬﻢ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺷﺮﺍﺋﻌﻪ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﺣﺒﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﺒﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﻳﻌﺎﺭﺽ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻡ ﺑﻐﻴﺮﻩ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ لله تعالى ﻋﻨﺪ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﻓﻴﺆﺩﻳﻪ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﻻ ﺑﺎﻃنا، ﻭﺃﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻋﺸﺎﻕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺃﻗﻞ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺣﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﺸﻐﻞ ﻋﻦ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺒﺪ، ﻭﻫﻮ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻟﺤﺐ الله، ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ ﻟﺬﻛﺮﻩ، ﻭﺟﻤﻊ ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻪ، ﻭﺟﻤﻊ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻪ ﻓﻌﺸﻘﻬﺎ ﻭﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ، ﻭﻻﺑﺪ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، وﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻫﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ.
وﺃﻥ ﻣﺤﺒﻬﺎ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺬﺍﺑﺎ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﻳﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﺤﺼﻴﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ ، فإنه لا ينقضي عجب المرء من فتنة الدنيا لأهلها مع علمهم بخداعها لهم، ومع جزمهم بنهايتها العاجلة، وأنها مجرد شهوة يعقبها حسرة، ولقد وصف الله الدنيا بأبلغ عبارة لم تبق للمرء شك في حقارة الدنيا، وأنها غرور وسراب زائل، فقال الله تعالى فى سورة الحديد ” اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”