أخبار عاجلة

إبن عباس يناظر الخوارج

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد الله الذي أسكن عباده هذه الدار وجعلها لهم منزلة سفر من الأسفار وجعل الدار الآخرة هي دار القرار، فسبحان من يخلق ما يشاء ويختار ويرفق بعباده الأبرار في جميع الأقطار وسبق رحمته بعباده غضبه وهو الرحيم الغفار، أحمده على نعمه الغزار، وأشكره وفضله على من شكر مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المختار، الرسول المبعوث بالتبشير والإنذار صلى الله عليه وسلم، صلاة تتجدد بركاتها بالعشي والأبكار، ذكرت كتب السيرة والفقه الإسلامي أن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قام بالمناظره مع الخوارج، وقد رد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عليهم ردا مقنعا حيث فكك هذه الأفكار الهدامة، فلم يملكوا سوى التسليم والخضوع لما قاله، وكيف أنه وجه النصوص توجيها سليما.

 

وجمع بينها، وأزال عنها ما يوهم ظاهرها التعارض، فترتب على هذا رجوع الكثير منهم، وفي هذا برهان ساطع على أن الفكر المنبط القائم على المنهجية العلمية السليمة عندم يصطدم مع هؤلاء المتطرفين، فإنهم سرعان ما ينهزمون، ويظهر عوارهم، ويختل ميزان القوى لديهم، ولقد زعم هؤلاء ومن على شاكلتهم أن من حكم بغير القرآن ولو في حكم واحد، فقد رد أحكام الله وبناء على هذا إستحلوا دماء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ودماء الأبرياء، مستندين في ذلك إلى الآيات التي وردت في سورة المائدة كما قال الله تعالي ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” وأيضا كما جاء في نفس السورة ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” دون التفرقة بين من إرتكب ذنبا مستحلا له، وبين من غلبته نفسه، وهو مقر بخطئه.

 

لكن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رد عليهم رداً علمياً محكما، فقد ورد عنه أنه قال رضي الله عنهما ” إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، وإنه ليس كفرا ينقل عن الملة ” حيث قال الله تعالي ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” أي طفر دون كفر” رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، فالمراد من الكفر هنا ليس الكفر الإصطلاحي، وإنما معنى الستر والتغطية، وقال ابن رجب والكفر قد يطلق، ويراد به الكفر الذي لا ينقل عن الملة مثل كفران العشير ونحوه عند إطلاق الكفر، وهذا الفهم إنما توارثه الصحابة جيلا بعد جيل فورد عن البراء بن عازب أنه قال ” إن هذه الآيات نزلت كلها في الكفار ” رواه مسلم، ولم يصح بالإسناد الصحيح عن الصحابة في تفسير هذه الآية إلا هذان التفسيران، تفسير ابن عباس والبراء بن عازب. 

 

وعلى ذلك درج فقهاء الشريعة إلى زمن قريب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وعن ابن أبي دواد قال ” أدخل رجل من الخوارج على المأمون، فقال ما حملك على خلافنا؟ قال آية في كتاب الله، قال وما هي؟ قال قوله تعالي ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” فقال له المأمون ألك علم بأنها منزلة، قال نعم، قال وما دليلك؟ قال إجماع الأمة، قال فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل، فارضي بإجماعهم في التأويل قال صدقت السلام عليك يا أمير المؤمنين، وأما عن منهج حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه في مواجهة الخوارج، وسبل الإستفادة منه، فلقد تبنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي تميز بغزارة العلم، وحسن الفهم، فهو ترجمان القرآن، والمدعو له بفهم التأويل مع هؤلاء منهج الحكمة والصبر والوعي والعلم والجسارة. 

 

والإلحاح على بيان أخطائهم، وكان حريصا على توجيههم للحق، وحماية المجتمع من شرورهم وفتنهم من خلال تفنيد أفكارهم، ورد شبهاتهم التي تمسكوا بها، فهم لعبوا دورا خطيرا في شرخ الأمة، وإثارة القلاقل الداخلية حتى إستنزفوا طاقة الأفراد والمجتمعات، وصدق الله حيث قال ” ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا “

شاهد أيضاً

الزواج قرار واختيار وليس قسمة ونصيب

بقلم/هاني محمد علي عبد اللطيف  هذا القول منطلق من نظرية الاختيار التي تقول ما من …