أيها الجمال جددنا 

أيها الجمال جددنا 

كتب سمير ألحيان إبن الحسين 

 

__ أتذكر من أبي حيان التوحيدي دعاءه “لقد بلينا فجددنا”، وهو الدعاء الذي نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

فالقبح هجم علينا من كل الجهات في الوقت الذي صار فيه الجمال متاحا بالنسبة للآخرين في كل لحظة عيش، صار القبح بكائناته ووحوشه يتربص بنا في كل منعطف من منعطفات حياتنا، مشى بنمله بين أهدابنا وعلى سطور دفاترنا وتحت أسرة أحلامنا، ننظر في المرايا فلا نرى إلاّ أشباحا مشوهة لا تذكر بما كنا عليه يوم كان الأمل يمشي بأقدامنا في شوارع تخيلنا أنها تقود إلى العالم.

كنا جميلين أو هكذا خُيل لنا، فما الذي حدث لكي يخوننا جمالنا؟ ما لا نعترف به أن محاولتنا في أن نكون جميلين قد فشلت، فالجمال صناعة وليس هبة، لقد حاولنا يوما ما أن نكون جميلين، غير أننا لم نخلص إلى جمال محاولتنا.

لقد هدرنا وقتا طويلا ونحن نحاول إقناع أنفسنا بأن العالم يحاربنا بسبب أصالة هويتنا، وكنا في ذلك نكذب على أنفسنا، فالعالم لم يكن معنيا بهويتنا التي كانت مهشمة أصلا.

لم نعرف أن العالم، وهو تعبير تجريدي، كان أكبر من أن نواجهه بالأوهام، كان في إمكاننا أن نبقي على شيء من جمالنا لو أننا اجتهدنا في البحث عن الطرق التي تقود إلى العالم، ما فعلناه كان الأسوأ دائما، لم نتعرف على العالم ولم نسمح للعالم بأن يتعرف علينا.

كان انغلاقنا على جمالنا البائد هو مَن جلب القبح إلينا، فصرنا تلك الكائنات المشوهة التي لم تتجدد بسبب إصرارها الأبله على فرض وهم جمالها على الآخرين.

لو كنا جميلين حقا لاعترف العالم بجمالنا، ولما كنا في حاجة إلى كل هذا العنف والقتل والخراب الذي نتعثر به ونحن نحاول الاستفهام عما جرى لنا، من غير أن نلتفت إلى ذلك الخطأ الذي دمر حياتنا، لقد ركزنا على عدم اعتراف العالم بنا من غير أن نعترف بأننا قد بُلينا.

فبعض المنهزمين والقبيحين فكريا عندما يراك تقرأ عن الفلسفة ببعدها الجمالي والإعتباري وعندما يراك تقرأ الفكر الإسلامي والإنساني بل حتي التاريخ عندما تقرأه من زوايا مختلفة عنه فإنه يرميك تلقائيا واوتوماتيكا بالكفر والزندقة فلا شيء يمكن أن يتبث انك إنسان أمامه سوى أن تكون نسخة طبق الأصل منه وماعدا دالك فأنت متهم مدان بالنسبة له حتي تثبت برائتك 

لدا لا يجب علينا أن نضل حبيسوا القوالب الجاهزة وعلينا أن نطلق العقال لعقلنا كي يفكر خارج الصندوق فالحقيقة ليست ملكا لأحد وليست حكرا علي أحد فهي حبيبة من يبحث عنها 

 فقيمتك أخي الحبيب نبراس مكانتك 

وتقديس نفسك وقود طائرة ذاتك المحلقة 

 فهذا الكلام يهمني ويهمك 

 فحب الذات لا يعني تفضيل المصلحة الشخصية على حساب مصلحة الآخر، حب الذات هو تقديرها احترامها و الاعتراف

بإنجازاتها ووضعها في المكان الذي تستحقه.

قيّموا أنفسكم جيدًا ولا تهتموا كثيرًا لآراء الآخرين إلا إذا كانت منطقية وصحيحة

لا تسمحوا لأحد أن يهز عرش ثقتكم فالإيمان بالذات ضرورة 

ملحة في زمنٍ كثرت فيه التناقضات.

وللعبرة والإيضاح إليكم هاته القصة علي السريع لتكونوا علي بينة 

 يُحكى أنَّ وزيرا كان في زيارة لأحد المصانع، فلفت انتباهه عامل يُعبّئ المسامير في العلب، وهو يغني ووجهه يطفح بعلامات السعادة، فاقترب منه وسأله مستفسرا عن سر سعادته: ماذا تفعل؟  

فأجاب:أصنع الطائرات!فخاطبه متعجباً:طائرات؟ 

فرد الرجل بكل هدوء وثقة بالنفس: نعم سيدي طائرات، هاته الطلبية لشركة تصنيع طائرات، والطائرات التي تسافر عليها ياسيدي لا يمكن أن تطير من دون هاته المسامير الصغيرة!

هذا العامل البسيط كشف لنا سر قيمتنا ونظرتنا لأنفسنا، وأحد أسباب سعادتنا.

ثمة فرق كبير بين من يرى نفسه جامع مسامير وبين من يرى نفسه شريكاً في صنع طائرة. 

فرق كبير بين من لا يرى من وظيفته إلا الأجر الذي يجنيه وبين من يرى الأثر الذي يتركه.

أنت لست مجرد كنّاس للطريق، أنت تساهم في تجميل وجه المدينة. 

أنت لست مجرد خياط، أنت تهب الناس لمسة أناقة. 

أنت لست مجرد خطيب على المنبر، أنت تُمهد طريق الناس إلى رب العالمين. 

أنت لست مجرد مُدرّس أولاد، أنت صانع أجيال. 

أنت لست مجرد طبيب أنت مخفف آلام البشر. 

أنت لست مجرّد رب أسرة، أنت أول وأهم مُربٍ، فليس ثمة أهم من صناعة الإنسان.

وتخلص القصة إلى التركيز على العبر: 

«كل من لا يرى من عمله إلا الأجر الذي يتقاضاه هو إنسان أعمى لا يرى،وهناك أثر يجب ألا يغيب عن بالنا، وهو الذي يجعل العمل رسالة، ويعطي الإنسان قيمته، وقيمة الإنسان الحقيقية هي الطريقة التي ينظر بها إلى نفسه، لا الطريقة التي ينظر بها الآخرون إليه، لا يستطيع أحد إذلالك ما لم تكن أنت تشعر بالإذلال في داخلك، ولا أحد يستطيع رفع قيمتك ما لم تكن أنت تشعر بقيمة نفسك!».

شرط الإخلاص والإثقان في العمل فالرسول صل الله عليه وسلم في حديثه الحنيف الشريف قال ( رحم الله من عمل عملا فأثقنه) وقال أيضا في محكم حديثه( من غشنا فليس منا ) فيكفي الغاش عقوبة أنه خرج من الإسلام ومن أمة محمد فأخلصوا وتحروا الإتقان يرحمكم الله 

فيا تُرى كم نحن بحاجة إلى مثل معنويات ذلك العامل البسيط ؟

شاهد أيضاً

بعـــــاد وهجر

بعـــــاد وهجر بقلم خالد أحمد ………..   من كثرة البعاد أعتدتِ أن لا تذكرين قلبي …