“بقى لي كم سنة نفسي حد يفتكرني، أو يحسسني إن أنا عا..” ثم أوقف الدمع الكلمات ، هذه هي الجملة الأكتر قسوة التي اخترقت أذناي كآنك قد صب إلى داخلهما – بعد جملة ” قد مات أبوك” – قالها رجل مسن في وقت يشعر فيه للمرة الأولى أن عينا ما تراه، و أن قلبا يشعر به ، فقد قام أحد الفنانين برسمه خلسة ثم أقبل إليه ينتوي رسم ابتسامة فوق وجه تمتطيه تجاعيد الزمان، و تقلبات الدهر، و جحود ظهر أنه حي يرزق، حين أهدى إليه هذا الفنان هذه الابتسامة ، أو تلك الصورة ، سبقت دموعه كلماته ، ثم لاحت الكلمات التي سرعان ما خفتت بفعل الدمع ثانية، جملة ثانية ” بس أنت عارف يا ابني.. إإإ…أنت شاب و دي لقمة عيش بالنسبة لك و أنا لا حول و لا قوة بي ، إيد ورا و إيد أدام..” يرفض الهدية التي كانت الشيء الوحيد الذي رد إلى تجاعيده الحياة ، الآن شيء آخر يتحدث نيابة عن هذه السعادة ، التي روت مروءة الفنان حشائشها التي أرهقها جحود قد استفحل كثعبان حوض الأمازون ” الاناكوندا” ، إنهما الكرامة ، و عزة النفس، في وطن تدوس به الأموال قلوب الضعفاء، و عقول البلهاء، بل و تشترى بها حتى أجساد النساء ، تلوح في الأفق البعيد رغم الضباب، شيء ظننا أنه قد احتضر ، اسمه الكبرياء، و شيء آخر لا يقل قيمة يتلخص في ” أنا هنا حيث أقطن قلبا يشعر بك ، و هذه يدي تكفكف دمعا أحرقني” ، رحم الله قلوبا ترقع ما مزقته آياد غلت إلى اعناق أصحابها ، فلتحيا القلوب الطاهرة في وطن يراد له الموت على يد الخسة .