بقلم على الحسيني المصري
لم اناقش تأثيرات الأدوسا والالياذة على شعوب بحر أيجة في مقالنا السابق
كسرد تاريخي بل ناقشته كعمل أدبي أثر نفسيا في حالة الشعوب الهليتستية وبالأخص في مثقفيها وسياسيها
وكأحد الأنعكاسات المهمة لحالة الشعوب النفسية التي سبقت الشعوب الهليتستية في العصور القديمة
وما ترتب على هذا الأنعكاسات من أخلاقيات ومؤثرات عند الشعوب التي اعتزت بهذا الإبداع واعتبرته من أهم إنجازاتها الأدبية واستمعت إليه واستمتعت به ونسجت على منواله قصص ومسرحيات
كما بالضبط ملاحم ابو زيد الهلالي سعد اليتيم و نعسة وايوب – وملحمة أدهم الشرقاوي وملحمة على الزئبق
فهذه الملاحم كانت معنية بإظهار أخلاقيات الناس وسياسات الزمن التي كتبت فيه وحالةالناس الاجتماعية
وبكل ما تفاعل معه أبطال الملحمة
وأجواء الوقت التي كُتبت فيه الملحمة كما كانت معنية بإظهار عادات وتقاليد واعراف هذا الزمن وحالة المؤلف والشعب النفسية في الوقت التي كتبت فيه القصة أو الملحمة ويعني الأدب المقارن بدراسة أوضاع الشعب الذي كتبت في عهده الملاحم
ويعنى أيضا بدراسة التأثير النفسي لهذه الملاحم على الشعب المصري وعلى أهل الصعيد في كل العصور كما يعني بتأثير الالياذة والادوسا على الشعوب الهليتستية من كافة الجوانب
ويقوم أيضا بدراسة الحالة التي كانت سبب لتأليف الملحمة
والوقت الذي وضعت فيه الملحمة لتوضيح إثر تلك الملاحم التاريخي والنفسي على الأجيال المتتالية كلما أعيدت على مسامع الشعب
لأنه لا يوجد عمل ملحمي إلا وله صدى في تاريخ الشعب الذي استمتع به وهو أيضا يخبر عن أخلاقيات الشعب التي وضعت في عهده تلك الملحمة وعن ظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
أما الدولة العثمانية فهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي اسأت للإسلام وللعرب أكثر مما أفادت ولست من يدعي ذلك لوحدي ولكن يقول بذلك كل من قرأ التاريخ الحقيقي لتلك الدولة والتاريخ هو ما يخبر بذلك بدون تحيز ولكن من يقول
إن الإسلام كان عزيزا ايام الدولة العثمانية فهو يتبنى فكرة الإمبراطورية الإسلامية وهي فكرة خاطئة
عزة الإسلام ليست في الفتوحات العسكرية كما يرى أصحاب هؤلاء الفكرة
وكما يتوهم البعض ولكن عزة الإسلام تكمن في نشره ونشر أخلاقه بطريقة شرعية صحيحة
ليس فيها أي شبهة تنم عن استغلال الآخر أو الإساءة إليه
وفي النهاية ما بني على خطأ فهو خطأ. والمبادئ والمثل العليا
لا تتجزأ
ولننظر كيف هو الإسلام في ماليزيا وإندونيسيا وفي العمق الأفريقي الذي لم تصل له الفتوحات العربية الإسلامية
، وفي كثير من دول الشرق الأقصى تجده منتشرا انتشارا واسعا رغم أن تلك الجهات لم تتعرض لأي فتوحات تذكر ولكن الإسلام انتشر فيها على أيدي التجار الأمناء والمثقفين المتدينين الواعين أصحاب الفضل والأخلاق السمحة الذين ضربوا المثل بصدقهم وامانتهم وتعاونهم مع تلك الشعوب
ضد الفقر والمرض والجهل والعدوان والاستبداد
وعلى المثقف الواعي عندما يقرأ تاريخ الدولة العثمانية أن يسأل نفسه سؤال مهم جدا ألا وهو
كانت الدولة العثمانية مسيطرة على أكثر شرق اوروبا وعلى اليونان وبلغاريا فترة زمنية كافية تجعل تلك الشعوب تعتنق الإسلام
فلماذا لم تنجح الدولة العثمانية في تصدير الإسلام لتلك الشعوب في وقت قصير كما نجح المسلمين في الأندلس وفي مصر وفي فارس وفي الشرق الأقصى وفي شمال أفريقيا وفي الشام رغم كثرة التنوعات العرقية واتساع أراضيهم
أكثر من الشعوب السلافية التي جاورت الدولة العثمانية كالصرب والبلغار والكروات والبولند واليونان الذين لا تبلغ أراضيهم مجتمعة مساحة دولة مثل الجزائر بل تعجب عندما تعرف ان الدولة العثمانية وضعت يدها على أكثر من خمس وعشرين منطقة في أوروبا ولم يدخل الإسلام سوى الي ألبانيا والبوسنة والهرسك من ضمن تلك المناطق
هل كان تمنع تلك الدول على الإسلام بسبب اعتقاد مواطنيها المسيحي القوي ام بسبب جور الأتراك وعسفهم وروعنتهم وعنصريتهم وسهولة سفك الدماء عندهم والتمثيل الوحشي بخصومهم
وعدم قدرتهم على ممارسة السماحة الإسلامية ممارسة صحيحة
أما من كتب عن أن الدولة العثمانية دولة مفترى فهو قد تجاهل مذابح الدولة العثمانية في ارمينيا وفي اليونان وفي الشام وفي مصر وفي لبنان وتجاهل مناقشة قوانين الجباية الجائرة التي
فُرضت على الشعوب التي حكمتها الدولة العثمانية
وتجاهل دراسة نظام الالتزام العثماني وأضراره
وتجاهل أيضا إهمال التعليم وتنمية الفرد في هذه الفترة
وتجاهل ان الدولة العثمانية أهملت منذ خطواتها الأولى وجود مجلس أعلى للولايات يهتم بشؤن الولايات العسكرية والاقتصادية حتى أصبحت تلك الولايات في النهاية لقمة سائغة بين فكي الاستعمار الأوروبي وسبب ذلك أن الدولة العثمانية اعتمدت في فلسفتها السياسية على فكرة الفتح
رغم أنف الشعوب لذلك كانت قلقة دائما من الحركات الانفصالية فابتكرت سياسة الوالي غير المستمر لتقويض جهود أبناء المنطقة المفتوحة من أجل التقدم حتى لا يفكر
أهل النهضة في الانفصال عن الدولة العثمانية
كما تناسى العثمانيون ان سياسة الفتح في عهد الخلفاء الراشدين وفي أول الدولة الأموية كان أهم ركائزها هو إنقاذ الشعوب المظلومة من الظلم الواقع عليهم من حكامهم
وضمان أن هذه الشعوب لم ولن تقاوم الفاتحين إذا أصبحت شعوب قوية وإن واليا مثل عبد الله بن أبي السرح بنى أسطول يحمي به حدود الخلافة البحرية ولم تمر سنوات قليلة الا وكان تحت أسوار القسطنطينية وإن الخليفة عمر بن
عيد العزيز وجه الخراج لإصلاح حال الولايات الداخلية من طرق ومباني وقناطر
اما في حالة تمسك الشعوب بحكامهم واديانهم فقد كانوا يرضون منهم بالعهود والمواثيق وبالجزية الشرعية العادلة وكل ذلك لم يكن من أمر الدولة العثمانية بشئ بل إن الدولة العثمانية بالغت في فرض قيمة الجزية أكثر بكثير مما حدد الشرع ولم ترع فقيرا ولا عاجزا كما أمر الشرع
والي اللقاء مع الجزء الرابع