بقلم على الحسيني المصري
عندما استدعى أنطونيو كليوباترا ليحاسبها بسبب تقصيرها في مساندة روما عندما كانت تحارب من اغتالوا القيصر
ذهبت إليه في ابهة أسطورية جعلته يقع في غرامها ويعشقها ومن ثم فقد
اكرمته الملكة ذات الأصول المقدونية والمواطنة المصرية لدرجة أنها اجلسته بجوارها على عرش مصر. وتزوجته وأنجبت منه،،، ولكن الدنيا قامت ولم تقعد في روما وقام السانتو الروماني يهاجم أنطونيوس وكليوباترا وينعتهما بأبشع الألفاظ ويتهمهما بالتآمر على روما وعندما تقرأ أبيات الأدوسا بتعمق تجد أن هوميروس حال بين ادسيوس وبين كل حبيباته اللائي أحببنه بوشاح محبة الوطن والشوق الجارف إليه
وفي الالياذة يفتح اجامنون طراودة ويوحد اليونان
ولكن أحلامه تنتهي بالتآمر عليه من قبل زوجته وابن عمه ايجسثوس
وقتله ثأرا لابنتها افجنيا التي كان قد قدمها والدها قربان ليحصل على رياح تحمله لطروادة وكانت كلتمنسترا اخت هيلين
التي هي ملكة اسبرطة التي فرت مع باريس من زوجها منيلاوس وتسببت بنزقها هي وباريس في اندلاع الحرب
وكأنهم كانوا عائلة ملعونة بالخيانة والتمرد من أجل السلطة والتملك !!!
ولكن طراودة لم تكن مدينة اغريقية خالصة بل هي أحد أعمال تركيا الحالية وهي قريبة من اسطنبول
كما أن الرومان قالوا فيما بعد انهم من نسل أنياس قريب هكتور الطروادي الذي قتله أخيل وكان هكتور بشري حارب رجل كان يمثل نصف إله هو أخيل اليوناني حسب ما ذكر هوميروس
ويعجب المتأمل في هذا الإبداع السردي ويتسائل عن سر إبداع تلك الاحداث الخيالية من المخيلة اليونانية الهلينستية، فهل هذه الأحداث حدثت في الواقع ثم سُجلت كأسطورة
ام انها خيال نقي يعبر عن ما بعض ما كان يجول في نفوس فرسان بحر إيجه في مثل هذا الزمان ويحمل كثير من التنبؤات عن الأحداث القادمة!!!
ولكن يشاء التاريخ ان تحدث أحداث متشابهة تجمع بين الإغريق والرومان والمصريين تلك الأحداث هي قصة كليوباترا وانطونيوس اللذين جمع بينهما علاقتهما بيوليس قيصر ولكن بعد أن اغتيل يوليوس اتي انطونيو الي مصر ووقع في غرام كليوباترا هكذا تحدث شكسبير وجورج برنارد شو وأحمد شوقي وجون دريدن . .. ولكني أرى أن من جمع بين أنطونيو وكليوياترا هو طموح كلاهما السياسي بالاستقلال عن روما بل أكثر من ذلك فقد كانا يكرهان روما بسبب غطرستها واطماعها الخارجية
ولكن القدر شاء أن بنتهي هذا الصراع بهزيمتهما في موقعة اكتيوم البحرية وتداعياتها وأظن أن هذه الهزيمة قد لعبت فيها الخيانة دورا كبيرا
كما أشك في انتحار كل من أنطونيوس وكليوياترا ولا ابلعه وأميل أكثر الي أن أنطونيوس قتل أثناء الاستعداد للمعركة النهائية عن خيانة حدثت له في اليوم الذي قتل فيه
وأرى أن القصة التقليدية التي روت انه سمع بانتحار كليوباترا فانتحر هو بدوره بسيفه كانت ترمز لهذه الخيانة وقد لمح لذلك جون دردن في مسرحيته كله من أجل الجب
كما أظن أن كليوباترا إما هربت مع ابنتها لموريتانبا
أو أنه تم نفيها أو أنها قتلت على يد اتباع اكتافيوس كما ذكر بلوتارخ
وأكثر ما يعضض تلك الشكوك عندي هو أنه لم يعثر حتى الآن على مقبرة لانطونبوس أو لكليوباترا
ولكن لماذا حارب السنتو الروماني أنطونيو وزوجته ولماذا عارض وجود حاكم روماني مثل أنطونيوس مع ملكة من أصول مقدوني على عرش مصر!!
مع انهم لو تركوا أنطونيو واليا على مصر لم يكن سيكلف هذا روما شيئا وربما أفاد روما أكثر ولكن السانتو رأى أن حكم أنطونيو لشعب عريق كثير الخيرات مع شريكة مقدونية
سيوجد قوة ناشئة تنافس روما وقد تفضح تلك القوة أهداف روما التوسعية الهمجية وإن ذلك سيعرض الجمهورية الرومانية للأنقسام فيما بعد
وأنه لابد في العاجل القريب أن يحدث صدام بين مصر وبين روما ولذلك يجب التعجيل بهذا الصدام وروما في أوج قوتها
قبل أن تستقطب مصر قادة روما وعسكريها وأغلب شعبها كما حدث عندما جذبت مصر الإغريق من قبل
ومنهم من كان قلقا من أن تتعاظم تلك القوة حتى تتمكن من القضاء على مجد روما العسكري وطموحات قادتها بأن يأتي يوم يفكر فيه قادة مصر بغزو روما ولكن كان هذا بعيدا عن حسبان العقلاء والمثقفين في هذا الوقت وإن كان هو هاجس الخبثاء من الساسة أصحاب اكتافيو الذي خافوا أن يرد لهم بالمثل تخليهم عن أنطونيو… عندما شنوا حرب إعلامية قذرة على مصر التي قال عنها اكتافيوس انها بلاد سحر وإن
الناس تقدم فيها كقرابين وعلى كليو باترا وقد تكون كليوباترا قاتلة من أجل الحكم ولكن كان أكثر من ساعد اكتافيوس الي الحكم هم الجنود المصريين ولم يكن اكتافيوس بالرجل الشريف كما يدعي أنصاره…
ومن ينظر في تاريخ مصر القديم يجد أن الفراعنة المصريين لم يكونوا ذوي احلام توسعية شريرة.
ولكنهم كانوا يقفون بالمرصاد لكل قوة عسكرية هدفها التوسع على حسابهم أو على حساب من يحتمي بهم من جيرانهم حتى أنهم كانوا دائما ما ينجحوا في القضاء على تلك القوى بإحدى طريقتين فهم اما ان يصهروا تلك القوة في الحضارة المصرية عن طريق المصاهرة والإخاء
أو بأن يشنوا حرب مقاومة على تلك القوة حتى يتمكنوا من القضاء عليها وكانت الطريقة الأولى هي المفضلة لديهم وهي الطريقة التي اتبعها المصريين مع قوم يوسف أما الاضطهاد الذي حدث بعد ذلك للعبرانبين إبان عهد موسى وقبله بفترة بسيطة فقد كان من ملك تعالى في الأرض
وكان فاسد الرأي وألعوبة في يد حاشيته ..
، و ما زال العلماء حتى هذا الوقت لم يتمكنوا من فك لغز الهكسوس واين ذهبوا بعد أن قضي احمس على حكمهم والأقرب للعقل أن أكثر الهكسوس بقوا في مصر كمواطنين وليسوا كحكام..
أو بمعنى أدق فقد حدث أن اخرج احمس الحكام ومرتزقتهم وابقى على المدنيين الذين انصهروا في الشعب المصري
وكان الفراعنة دائما ما يصدرون ثقافة السلام للشعوب التي يغزونها وكان دائما ما يكون فتحهم لأي بلد ما يكون اضطراريا لحماية حدودهم من الاعتداء
وهو من نوع استراتيجية مباغتة العدو قبل أن يطأ بقدمه أرض مصر
وكانوا يأخون تلك الشعوب ويتزوجون منهم ولا يتعالون عليهم ويحاكمون جنودهم إذا اعتدوا على أعراض المسالمين منهم
ولقد تأثر الإغريق بسلوك الفراعنة المتأخرين الذين عاصروهم لأن الإغريق لم يأتوا الي مصر في أول أمرهم كغزاة ولكن كمشتغلين بالجندية
وكطلاب علم وسياح مثل هيردوت ثم دار التاريخ دورته واتوا منقذين لمصر من الفرس مع الإسكندر
فلما تولى الإغريق حكم مصر في عهد البطالمة نزح كثير منهم إلى مصر منذ عصر بطليموس الأول وعاشوا مع المصريين في اخاء وسلام وصاهروهم وأتى آخرين وحذو حذو من سبقوهم في التقرب من المصريين
لذلك لم يفكر البطالمة في التوسع شرقا أو غربا حتى وهم في أوج مجدهم كما أنهم لم يفوتهم أن التوسع في أوروبا لن يعود عليهم بفائدة تفوق ولاية مصر والتي كانت في هذا الوقت من أغنى بقاع الأرض
وأكثرها خيرات إن لم تكن اغناها بالفعل وبدلا من ذلك فكر البطالمة في ترسيخ أقدامهم في مصر والعمل على تقدم مصر عسكريا واقتصاديا ولكن ضعف الملوك البطالمة الأواخر وظهور الرومان على الساحة الدولية قلب الكثير من الموازين السياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي شرق أوروبا وغربها
ويبدو أن هذا التراث المصري كان يتعارض مع حلم الرومان الأثير المتمثل في تحقيق السيادة على العالم واستعباد الشعوب
ويبدو أن ذلك الفكر كان متغلغلا في نفوس الرومان وله أصول ثقافية عريقة في فكر الرومان الذين تأثروا بالاغريق المحاربين القدامى فاخذوا عنهم الكثير من الموروثات الثقافية وكان أهم تلك الموروثات حلم التوسع والسيادة والتميز وتأثرهم بالالياذة والادوسا والتي نجد عند الرومان في مقابلها الياذة فرجيل
وذلك يجعلنا نعتقد أن الفكر الأغريقي كان ذو اتجاهان مُتناقدان فهناك الاتجاه الأول وكان فكره اصولي ريدكالي وهو فكر الإغريق الذين بقوا في مقدونيا واليونان وهو فكر كان يتشابه لحد بعيد مع فكر الرومان الذي كان يتميز بالعداونية المتعالية العنصرية
كما كان أصحابه يلتقون مع الرومان على أرضية مصالح كثيرة مشتركة مثل الطموح للملك والسيادة وتحقيق الثروات من دماء الشعوب
واحلام النبلاء المتعالية التي كانت تسيطر عليهم في هذا الزمان
والاتجاه الثاني كان يمثل فكر الإغريق الذين عاشوا في مصر والذين تأثروا بالفكر المصري المتحضر الذي يدعو للسلام وللمأخاة وللعمل… وكان يجب أن تحدث مواجهة بين تلك العقليتين ولكن يبدو أن أصحاب الفكر المصري لم يستعدوا جيدا لتلك المعركة أو أن بعضهم ركن للدعة والبعض الآخر تعاون مع الرومان لغرض في نفسه
ولو نظرنا شرقا بعد أن تمكن الرومان من فرض سيطرتهم على مصر وسوريا سنجد أن أغلب أطراف الجزيرة العربية أصبحت تحت سيطرة الرومان
وإن العراق أصبحت محمية فارسية فيما بعد
وكذلك كان حال دول شمال أفريقيا وإن تمتعت بعض الدول بالاستقلال الذاتي حتى حين مثل نوميديا وقرطاجنة وما يهمنا هنا الان لتوضيح فكرتنا هو موقف الجزيرة العربية التي أصبح معظم أطرافها المتحضرة تحت السيطرة الرومانية سوريا فلسطين الأردن لبنان كل تلك البلدان كانت تحت السيطرة الرومانية وكان العراق وبعد أجزاء اليمن تحت السيطرة الفارسية
وكان إن حاول أحد الحكام التابعين الاستقلال عن الدولة الرومانية أو عن الدولة الفارسية كان جزاؤه شن الحرب عليه وسفك دماء قومه فإن فازوا به كانوا ياسرونه مثل زنوبيا حاكمة تدمر أو يقتلونه مثلما فعل الفرس مع النعمان ولكن شاءت إرادة الله عز وجل أن يرسل من قلب الجزيرة نبيا من بني هاشم من قريش بمكة وكان أن نجحت دعوة هذا النبي العربي العدناني بعد مسيرة مشرفة وحافلة بالعلم والنور والعطاء والجهاد وكان من مقولات هذا النبي الكريم التي تدل على حبه لعروبته واعتزازه بها
ما قال صلى الله عليه وسلم عن يوم ذي قار أنه اول يوم تنتصف فيه العرب من العجم
فتلك المقولة دلالة على حب النبي الرفعة للعرب واعتزازه بعروبته
ويوم أن توفى النبي صلى الله عليه وسلم كان الفرس والروم كلاهما قلق من الدولة الإسلامية الناشئة لذلك سارعو بتأليب العرب في جنوب الجزيرة وفي شرقها وفي شمالها وظهر المتنبئين الكذبة الذين كان بعضهم مناوئ وبعضهم موالي للقوة الخارجية مثل سجاح التغلبية التي كان قومها موالين للفرس
ولكن شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يوجد خليفة للنبي قوي العزم والهمة
مثل ابو بكر الصديق وإن يكون عنده قائد عبقري مثل خالد بن الوليد وإن يكون لديه ثلة من المؤمنين المحاربين العظام وإن يكون مستشاريه عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وجلة من الافذاذ رضوان الله عليهم والذين كانوا قد تربوا في مدرسة النبي كما كان
لديهم عزائم الجبال اللتي من حديد واستطاع ابو بكر رضي الله عنه بفضل من الله أن يقضي على كل تلك الفتن وقد يقول قائل أن حروب ابا بكر كانت حروب توسعية ولكنها في الحقيقة كانت حروبا دفاعية عن حق الزكاة الذي هو حق الدولة وحق الفقراء وحق الأمة وحق تأكيد الوجود العربي في الجزيرة العربية
وكانت هذه الحرب أيضا من أجل تحرير العقلية العربية من الولاء الفارسي والروماني من أجل أن يبدأ العرب المسلمين يقظة تنويرية تضئ أرجاء العالم وانتصر ابو بكر الصديق
لعروبته ولإسلامه ثم مضى الي جوار ربه بعد أن أدى أمانته على أحسن ما يكون رحم الله ابا بكر ورضي الله عنه
وأتى عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وأتم عمر طريق ابا بكر واصبح للمسلمين السيطرة شبه الكاملة على شبه الجزيرة العربية وبعد ذلك فكر عمرو بن العاص في فتح مصر ولكن الخليفة كان قلقا من هذا الفتح منذ أن عرضه عليه عمرو في مؤتمر الجابية لتأمين ظهر الجيوش الإسلامية في الشام
ولكن كان قد بلغ الخليفة مظالم الرومان في مصر
وحدث أن العرب لم يكونوا قد سيطروا على سوريا كاملة فلقد ظل شمالها يناوئهم ولم يستقروا فيه حتى أن قيصر الروم ارسل قوة، بحرية من الإسكندرية عام ١٦ هجريا عبر انطاكية لمهاجمة المسلمين ولكن تمكن المسلمين من هزيمة هذه القوة كما أن المسلمين لم يكونوا قد سيطروا على قيسارية بعد ولم تتم سيطرتهم عليها إلا في خلافة معاوية رضي الله عنه
كما أن الارطبون الذي حارب المسلمين في الشام فر بجنده داخل مصر. لذلك رأى الخليفة أن هناك ضرورة إستراتيجية لفتح مصر لتأمين ظهر المسلمين بوضع قوة إسلامية عربية في مصر
والاستفادة من قوة البدو المصريين في مناوئة الرومان وشد أزر الجيوش الإسلامية
لأن عرب الجزيرة كانوا اقرب وشيجة لبدو مصر
من الرومان كما أن هؤلاء البدو لم يكن يعجبهم حكم الرومان لذلك انضموا لجيش عمرو بن العاص بمجرد عبوره الي مصر
كما أن عمرو بن العاص لم يلاقي اي مقاومة من السكان المدنيين ولم يتعرض هو ورجاله بدورهم لأحد بالأذي إلا لمن حاربهم
وبعد اتمام فتح مصر عامل العرب المصريين معاملة إنسانية رائعة ولم يحدث أن خرج عليهم المصريين في هذه الفترة ثم أتى عصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت سياسته العسكرية على نهج سياسة الفاروق عمر بن الخطاب إذ أنه أراد تأمين المسلمين استراتيجيا من هجمات الروم على سواحل مصر والشام وحدثت الفتنة في آخر أيامه واستشهد فيها ذو النورين محتسبا مسالما وأظن أن استشهاد عثمان كان أعظم ملاحم الإسلام لأنه استشهد مدافعا عن السلم بالسلم
وكانت أحداث الفتنة في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي انتقل للكوفة وكان معاوية يقود جبهة المعارضة في الشام
وقال المؤرخين أن المسلمين توقفوا عن الفتح ولكن الحقيقة أن معاوية كان على تعبئة كاملة في أغلب الوقت بسبب حروبه مع على وكذلك كان على بن أبى طالب مما جعل الروم لا يحاولون مهاجمة المسلمين كما أنهم خشوا إن هم فعلوا. أن يترك المسلمين خلافاتهم ويتحدوا لقتالهم كما أنهم كانت تجمعهم مصالح اقتصادية بدولة معاوية بالشام وقالوا إن معاوية دفع جزبة للروم ليكفوا عن حربه حتى ينتهي من امر أصحاب علي في العراق ولكني لا احبذ تلك المقولة لأن مثل تصرف الروم مع معاوية كان تصرف الفرس مع علي بن أبي طالب فإن قال قائل ولكن الفرس كان قد تم القضاء عليهم في القادسية وقُتِل كسرى اقول انه عندما قامت الفتنة كان للمسلمين جنود في أرمينيا يستعدون لفتح أذربيجان بسبب تجمعات الفرس،هناك يقال انه تم سحبهم لتأمين حروب الخليفة مع معسكر الشام وربما لم تكن إمبراطورية الفرس في اتساع مثل، الإمبراطورية البيزنطية التي شملت مصر وشمال أفريقيا والشام
وجزر بحر إيجه وبعض بلاد شرق أوروبا وأسبانيا
ولكن كان للفرس امتداد في العنصرين التركي والكرجي وكانت ما زالت نواحي طبرستان والافغان وسمرقند وطشكند لم تدخل الإسلام بعد وكان هؤلاء، البدو الوثنيين يكثرون الغارات على الحدود ولكن لم يسمع عنهم أثناء فترة الفتنة وطول خلافة علي
وما أقصده أن حروب المسلمين في صدر الإسلام كانت حروب دفاعية ثم ما لبثت أن صارت حرب تحررية لان العرب كانوا أولى بحكم شبه الجزيرة من غيرهم وكانوا وقد أصبحوا لا يتحملون ظلم الفرس والروم وتعنتهم وتعاليهم على أصحاب البلاد الأصليين كما كان الفرس والروم أهل غطرسة ويذكر أن اذينة زوج زنوبيا عندما طلب من سابور كسرى أن يتحالف معه ضد الروم رد عليه سابور بأنه سيده وأنه لا يجوز أن يتقدم بهدية كملك مساو له ويطلب التحالف رغم أن عدوهما مشترك
وكذلك فعل هرقل مع المقوقس نائبه بمصر عندما ذهب إليه في القسطنطينية يطلب منه المدد على المسلمين الذين أصبحوا فاتحين لمصر أو أن يوافق على الصلح فلم يفعل هرقل لا هذا ولا ذاك وإنما امر بنفي المقوقس والتشهير به
وكأن هرقل هو وجنوده لم يُهزموا في الشام من المسلمين وكأنه لم يفطن أن سياسته الدينية،التي انتهجها للدولة هي التي جعلت المصريين يرفضون الدفاع عن الوجود البيزنطي بأراضيهم ويرحبون بالوجود العربي !!!
ومن كل ما سبق يتضح أن المسلمين في صدر الإسلام لم يكن ما يشغلهم هو الغزو من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية كما يدعي كثير من المؤرخين ولكن المسلمين كان يرون انهم الأحق بثروات أراضيهم كما أن فنوحهم خارج الجزيرة كانت بقدر تحقيق الأمان الاستراتيجي لهم ولكن هذه السياسة تغيرت بعد عصر الخلفاء الراشدين وعصر الدولة الأموية الأولي ذلك أن بني عبد الملك نظر بعضهم لهدف نشر الإسلام وكان البعض منهم ينظر
للغنائم والخيرات التي كانت تأتي لهم من البلاد المفتوحة
أكثر من هدف نشر الدين والعدالة
ولذلك عمل هذا الوضع السياسي عمل على ظهور الثورات ضد الحكم الأموي في شمال أفريقيا وفي فارس مما أدى في النهاية لسقوط الدولة الأموية في دمشق على أيدي العباسيين الذين انتهجوا سياسة حماية الثغور. وسياسة الحكم الذاتي ذلك أنهم جعلوا على رأس كل بلد رؤساء منهم ففي فارس نجد السامنيين والصفاريين والغزنوية والخوارزمية والبهوية والطاهرية والأكراد الكاكويه
وفي مصر كان الطولونيين والاخشديين والأيوبين
والحمدانيين في الشام. وبني عقيل في العراق
وغيرهم وغيرهم وكان هؤلاء الحكام يحكمون في شكل سلاطين مستقلين ولكنهم كانوا تبع لخليفة بغداد من الناحية الصورية وكان الخليفة هو المرجعية الدينية العظمى وكان حقا عليهم أن يمدوه ويقفوا الي جانبه في حروبه التي يشنها على الغزاة والخارجين
ولكن هذه السياسة وإن حافظت على شكل الخلافة الديني إلا الا انها لم تمنع من انقسام الكثير من المسلمين على تلك الخلافة ولم تمنع ظهور خلافة اموية في الأندلس وخلافة فاطمية في شمال أفريقيا
والدولة الزيدية في طبرستان كما لم تمنع مكانة الخليفة من سيطرة الأتراك عليه والتلاعب به ولقد استمرت الخلافة في بغداد حتى سقوط بغداد على يد هولاكو وبعد سقوط بغداد انتقلت الخلافة لمصر في عصر المماليك الذين تمكنوا من دحر المغول في عين جالوت ومثلما كان الخليفة في بغداد لا يملك من أمر نفسه شيئا كان الخليفة في مصر مع المماليك اما العثمانيون فيراهم كثير من الواهمين انهم أعادوا مجد الإسلام. ولكن ماذا تقول في قوم تركوا مجاهدة من ناصبهم العداوة وتأمر عليهم من الأوربيين الذين يخالفونهم في الدين وولوا وجوهم شطر إخوانهم من المسلمين يغزون أراضيهم ويسبون نسائهم ويستبيحون دمائهم وحسبهم انهم اغتصبوا الخلافة وادعوا انهم خلفاء
وهي لا تصلح لهم لأنهم ليسوا من قريش
ولم يدعيها قبلهم رجل إلا وكان منتسبا لقريش
ويكفي العثمانيين اجراما ما فعلوه بالأزهر وقتلهم عشرة آلاف مصري عند فتحهم مصر ويكفي انهم غدروا وخانوا، وسلبوا عند فتحهم مصر ولا تكون هذه أفعال المسلم اتجاه أخيه المسلم ابدا ولم يتعلموا شئ من أبي جعفر المنصور عندما قال عن عبد الرحمن الداخل أنه صقر قريش
ولم يتعلموا شئ من عبد الرحمن الداخل عندما لم يعلن آمارته في أرض الأندلس خلافة رغم عداوته للعباسيبن وما سفكوا من دماء الأمويين…
ولقد بلغ الوطن العربي في عصر العثمانيين المظلم أشد درجات التخلف والتراجع والظلم وسفك دماء المسلمين والأقليات وذلك من أجل أن يعلم من يؤيد العثمانيين انه متوهم
واكبر دليل على توهمه ان سليم الأول أخفى الخليفة العباسي القرشي وربما يكون قد قتله وهو الذي بايعه الناس واغتصب سليم منه الخلافة وهذا يجعل سليم الأول هو الثاني الذي امر النبي بقتله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا اجتمع أمركم على رجل وجاء من يشق عصا طاعتكم فاقتلوه
ولقد كان الخليفة العباسي يوم ان أخفاه أو قتله سليم هو الخليفة المعترف به في كل أنحاء العالم الإسلامي حتى أن الرحالة الهنود والفرس ذكروه في كتبهم على أنه الخليفة الشرعي…
ولكن سليم كان قد أسس ملكه على أخذ ما ليس له وما له بسفك الدماء وكان وزارؤه وفقهائه يحلون له ذلك وهو بذلك
بذلك، يكون مفسدا أكثر من فرعون لأن فرعون لم يكن مؤمنا اما سليم فقد كان يدعي الإيمان والإسلام
كما أن ما تبقى من أمره بعده يعد فاسدا ويكون كل من اتبعه وأيده في أمره حيا أو ميتا على باطل مثله وعدوا للمؤمنين ويستحق تطبيق حكم الإفساد عليه ….
وليس غريبا على الأتراك أن يفعلوا ذلك وهم من ثملوا أعين الخلفاء من قبل واغتالوهم في بغداد
حتى اضعفوهم ثم أتى المغول بعد ذلك واكلوهم بكل سهولة
ولم يجدوا من يدافع عنهم من هؤلاء الأتراك..
وعلى ضوء ما تقدم نقول انه لا وجود لسياسات أو أيديولوجيات حسنة تماماً وأخرى سيئة تماماً، ولا وجود لبشر أو لشعوب،كلهم خيريين أو شعوب كلهم أشرارا، وأن كل ما حدث وما سيحدث له علاقة بالأطماع والطموحات وليس بالعقائد والمذاهب كما يدعي البعض