أحلام جانيت

أحلام جانيت
قصة 14شباط 2022
جانيت من عائلة فقيرة، لذلك لم تكن ترضى أن تشارك زميلاتها في حفلاتهم أو رحلاتهم، لا القريبة في ريف باريس، ولا البعيدة في ربوع فرنسا…
أبوها موظف بسيط على أبواب التقاعد، دخله يكاد لا يسد رمق عائلته الكبيرة…
أمها خياطة ماهرة، لكنها كانت ترفض أغلب طلبات الزبائن لأنها مسؤولة عن رعاية عائلتها، ومع هذا كانت تقبل بعض طلبات صديقاتها القلائل اللواتي تحبهم ويحبونها، وتسهر الليالي حتى تخيط لهن أقمشتهن. الجميع كانوا يحبون أعمالها، لأنها متقنة، ومرتبة، وتتمتع بذوق رفيع يبهر كل من يراها…
ابنتها الكبيرة جانيت موضوع قصتنا…
اختارت دراسة تصميم الأزياء في الجامعة لتكون اليد المساعدة لأمها، وحتى تساعد أبيها…
لم تكن تحلم بأن تصبح صاحبة دار أزياء، حتى مجرد مرور الفكرة بذهنها كانت تستبعدها فورا، لم تكن تتجاسر أن تبوح بسرها حتى لنفسها، بسبب الفقر الذي يقطن في بيتها، بينما دور الأزياء تحتاج المال الكثير…الكثير.
جانيت كادجنت تعمل نادلة في المطاعم حتى تدبر أمورها في الجامعة واخيرا بعد صبر ومعاناة تخرجت…
دارت تعرض أعمالها وتطلب عملا كمصممة أزياء في احدى تلك الدور المشهورة…
تصفح صاحب دار أزياء رسومات جانيت وبالفعل أعجب بها، وتظاهر بأنها رسومات عادية وقبل توظيف الشابة في مشغله… براتب قليل…
لكن العمل الجيد، والذوق الرفيع، لا يمكن أن يبقى في الظلام…
عندما حان العرض السنوي الذي تحييه تلك الدار. كان بين الحضور مصممين يمثلون دور أزياء شهيرة في العاصمة باريس… انبهروا بروعة تصاميم بسيطة من نوع جديد لم يعرفوه سابقا..
تقدمت دور أزياء عديدة معروفة إلى جانيت برواتب مغرية، أكبر بكثير من التي كانت تحلم بها…
انتقلت الى دار أزياء مشهورة، وسلطوا عليها أضواء المدينة وتصدرت صورها مجلات دور الأزياء…ونالت شهرة واسعة…
أخيراً تقدم إليها عرض مغري من دار أزياء مشهورة عالمياً…
وافقت جانيت تحت شروط هي فرضتها.
دفعت تلك الشركة العالمية راتبا سنوياً لها لم تتقاضى مصممة أزياء مثله سابقاً…
اشترت دار سكن كبيرة بالتقسيط في باريس، وأحضرت أهلها ليعيشوا معها، وسجلت أخوتها في أفضل المدارس والجامعات… وأبوها تقاعد وصار يمضي أوقاته في الحدائق الجميلة في باريس..
في عيد الحب 1990 أقامت تلك الدار معرضا ضخما لعرض منتجاتها. وحصل النجاح المدوي بعرض أزياء تلك الدار…وكان التصفيق مستمرا لا يتوقف…
ظهر صاحب الدار وهو يمسك بيد مصممة الازياء وقال أمام الجمهور، يا جماعة، انا أشكر هذه الانسة جانيت، لأنها
هي سر نجاح أزيائنا بموهبتها المذهلة…
تشكرت جانيت صاحب دار الأزياء. وقالت: بصراحة أنا ادين بهذا النجاح إلى الجندي المجهول أمي، التي علمتني أكثر مما تعلمته في الجامعة، تعلمت منها الابداع والفن الراقي… ولا تزال تساعدني في تصحيح ما يجب تصحيحه…
احضرت جانيت أمها من بين الجمهور إلى مدرج العرض…
وعلا تصفيق حاد عندما شاهدوا الدموع في عيني الام وعيني ابنتها…
ظهرت إعلامية من بين الجمهور وقالت أنا ناقدة اختصاص في هذا المجال منذ زمن بعيد، بصراحة لم أجد أجمل من أزياء هذه المرأة أم جانيت التي كانت تخيط لي ثيابي التي كان يحبها الجميع، ودائما يسألونني من هي خياطتك؟ وأنا التزم الصمت لأن أم جانيت لم تسمح لي البوح بسرها…
ظهر شاب وسيم على المسرح اسمه سيمون هو أبن صاحب دار الأزياء وكان يربط بينه وبين جانيت علاقة أعجاب متينة تطورت خلال العمل إلى حب…
ركع الشاب على المسرح أمام الأم، وقال لها أرجوك أن تقبليني ابنا لك، لأن ابنتك ملكت قلبي وأرغب أن تكون شريكة حياتي…
قالت الأم، أنا أتشرف بك يا ابني، لكن الكلام لأبو جانيت الجالس هناك وأشارت اليه…
جاء الأب وقبل الشاب وقبل ابنته وقال ربنا يوفق حياتكما…
أخذ أبو سيمون الميكرفون وقال ألف مبروك لأبني وخطيبته وأنا في الحقيقة لن أجد من يحافظ على نجاح هذه الدار ويجعلها تزداد رونقا وضياءً أفضل من هذه الصبية الرائعة…وأخرج من جيبه مستند وقال هذه شهادة ملكية دار الأزياء هدية لجانيت وسيمون مناصفة…
علا تصفيق حاد في الصالة… وصيحات مدوية مبارك، مبارك..
تحققت أحلام مصممة الأزياء بسبب موهبتها التي تعبت في تطويرها بمساعدة أمها التي كانت تقول اكتشفوا مواهبكم في داخلكم، قبل أن تسيروا نحو اهدافكم…
استعانت جانيت بمصممات رائعات يعملن تحت وصايتها، وقالت لم أعد املك الوقت الكافي لخدمة عملي، صار عندي خدمات أهم من تصميم الأزياء، زوجي وأولادي…
استمر النجاح في الدار ، وجانيت تشرف بنفسها على المصممات الأخريات الموهوبات اللواتي كانت تختارهن
ليعملن تحت اشرافها..
كاتب القصة: عبده داود
الصورة من غوغل.