نرمين عاطف :تبني جسور الوعي الأثري بين الماضي والحاضر
كتب صلاح طبانه
في صمتٍ يشبه وقار الآثار، وبخطى واثقة تنتمي لزمن الحضارات، تسير نرمين عاطف على طريقٍ رسمته شغفًا بالتراث، وإيمانًا بأن الحفاظ على التاريخ ليس مسؤولية الجهات الرسمية فقط، بل مهمة إنسانية تبدأ من غرس الوعي في عقول الصغار قبل الكبار.
بداية الحكاية: من الشغف بالتاريخ إلى مسؤولية التوعية
نشأت نرمين عاطف في بيئة تنبض بالحضارة، وسط محافظة الفيوم التي تعج بآثار فرعونية ورومانية ويونانية وإسلامية. هذا التداخل الثقافي والتاريخي، مع ما تملكه الفيوم من كنوز أثرية كـ”قصر قارون” و”بحيرة قارون” و”منطقة ديمية السباع”، شكّل وعيها المبكر بقيمة التراث، لتتخذ منه فيما بعد رسالة حياتها.
من خلال دراستها وتخصصها في الآثار، بدأت نرمين عاطف تدرك أن حماية الآثار لا تكتمل بالحراسة أو الترميم فقط، بل تحتاج إلى وعي مجتمعي شامل، يتجذر في المدارس والبيوت والشوارع.
مبادرات ومشروعات: تحويل الفكرة إلى واقع ملموس
أطلقت نرمين عددًا من المبادرات التي تهدف إلى نشر الوعي الأثري، خاصة بين الأطفال والشباب. من أبرز مبادراتها:
• “الأثري الصغير”: برنامج تعليمي تفاعلي يستهدف طلاب المدارس، يدمج بين المحاضرات المبسطة والزيارات الميدانية للمواقع الأثرية.
• ورش حكي تراثية للأطفال في المكتبات العامة ومراكز الشباب، تستعرض قصصًا من التاريخ المصري بأسلوب مشوّق وبسيط.
• تدريب المرشدين المحليين على إيصال المعلومة الأثرية بلغة مفهومة للجمهور.
• تنظيم أيام توعوية بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار في المدارس والمراكز المجتمعية.نجحت الدكتورة نرمين عاطف في قيادة عدد من المبادرات والفعاليات التي تهدف إلى توعية المواطنين بأهمية التراث الثقافي، من بينها ندوة بالتعاون مع مركز النيل للإعلام تحت عنوان “التراث والهوية المصرية”، والتي سلطت الضوء على العلاقة الوثيقة بين التراث والهوية الوطنية.
أبرز المبادرات الأثرية في الفيوم:
1. كنز بلادي:
تهدف إلى تعريف طلاب المدارس بتاريخ الفيوم من خلال زيارات ميدانية وورش عمل فنية وعروض بالزي الفرعوني.
2. شبابنا وتراثنا:
بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، تركّز على تعزيز الوعي الأثري لدى الشباب من خلال محاضرات وزيارات تفاعلية.
3. بداية:
امتدادًا للمبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان”، تسعى إلى توعية طلاب المدارس بالتعاون مع عدة جهات رسمية.
4. كنوز الفيوم:
تهدف إلى تنشيط السياحة الداخلية وتسليط الضوء على أهمية الفيوم الأثرية عبر العصور.
5. المرشد الأثري الصغير:
تدرب الطلاب على أداء دور المرشد الأثري من خلال مسابقات وورش فنية.
جهود توعوية ومجتمعية
لم تقتصر جهود الدكتورة نرمين على المبادرات فقط، بل شملت أيضًا محاضرات عن مخاطر التنقيب غير المشروع عن الآثار، وفعاليات بمناسبة المناسبات الوطنية، مثل ذكرى ثورة 23 يوليو، لتعزيز الانتماء الوطني.
مواقف وطنية وتكريم مستحق
أظهرت الدكتورة نرمين التزامًا وطنيًا من خلال مشاركتها الفعالة في الانتخابات الرئاسية، كما أعربت عن رفضها لظاهرة التنقيب غير الشرعي، مؤكدة أنها جريمة قومية. وتقديرًا لجهودها، تم تكريمها من قبل شخصيات رسمية خلال احتفالية عيد العمال.
من خلال ما تقدمه من جهود ومبادرات، تؤكد الدكتورة نرمين عاطف أن الحفاظ على التراث لا يقتصر على المؤسسات فقط، بل هو مسؤولية مجتمعية تبدأ بالتوعية وتنتهي ببناء جيل مُدرك لقيمة تاريخه وحضارته.
أثر ملموس.. ووعي يتنامى
ساهمت جهود نرمين عاطف مديرة الوعى الاثرى بالفيوم في خلق تحول تدريجي داخل المجتمع الفيومي، فبدأ الأهالي ينظرون إلى الآثار المحيطة بهم ليس فقط كمبانٍ قديمة، بل كهوية حية يجب احترامها وصيانتها. كما أصبح للطلاب والمشاركين في برامجها دور في نقل المعرفة داخل أسرهم ومحيطهم.
يؤكد عدد من معلمي المدارس وأولياء الأمور أن الأطفال أصبحوا أكثر إدراكًا لأهمية المواقع الأثرية، ويتعاملون معها باحترام واهتمام أكبر. أحد طلاب المبادرة قال في إحدى الجولات: “أنا فخور إن بلدي فيها آثار العالم بييجي يشوفها.”
“نرمين عاطف نموذج مشرف للمرأة المصرية الواعية برسالتها. شغفها بالتراث، وكل من يشارك معها يخرج أكثر حبًا لمصر وتاريخها.”
لا تتوقف نرمين عاطف مديرة الوعى الاثرى بالفيوم عند ما تحقق، بل تطمح إلى توسيع نطاق التأثير على مستوى الجمهورية، وتطبيق نموذج الفيوم في باقي المحافظات. وهي تؤمن أن إدراج الوعي الأثري ضمن المناهج الدراسية خطوة ضرورية لتعزيز الهوية الوطنية.
تقول الدكتورة نرمين:
“أحلم أن يرى كل طفل مصري نفسه امتدادًا للفراعنة، وألّا يمر على حجر أثري دون أن يشعر أنه جزء من تاريخه.”
نرمين عاطف ليست مجرد باحثة في الآثار، بل هي جسر يربط الماضي بالحاضر والمستقبل. في محافظة الفيوم، حيث يحتضن الرمل الحكايات القديمة، تسير نرمين بين المواقع الأثرية كمن تحرس ذاكرة وطن، وتزرع في العقول بذور فخر ووعي لن يذبل
الدكتورة نرمين عاطف.. نموذج ريادي في تعزيز الوعي الأثري بمحافظة الفيوم