– مكـــــــــــانة (فضل) الأم :

– مكـــــــــــانة (فضل) الأم :

بقلم الدكتورة:زمزم عبد اللطيف أحمد
مدرس الفقه بجامعة الأزهر

– الأمُّ هي منبتُ الإنسان وأصله، وفي قرارات أرحام الأمّهات تُشكّل الأبناء خَلقاً من بعد خلقٍ، ينبتون تحت أضلاعها، ويكبرون في حواشيها، ويتغذّون من دمها وجسدها، الذي يصيبه الوهن يوماً بعد يوم قال تعالى “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ” ]لقمان :14[
فللأم فضل كبيرعلى الأسرة خاصة والمجتمع كافة، فهي التي تبني وتنشأ أجيالاً تبني المجتمع وتُساعد على عمارته، وهي التي تعطي أطفالها اللبنة الأولى في كيفية الاستمرار في الحياة ،فهي أغلى كنزٍ وأعظم منحةٍ إلهيةٍ، فهي لا تكلّ ولا تملّ تعهّداً وتربيةً وتطبيباً ورعايةً .
والإسلام دينٌ نالت الأمُّ فيه مكانةً لا نظير لها، ولا قريب منها، فقد دعا الإسلام إلى برّ الوالدَين والإحسان إليهما قال تعالى ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا “(الإسراء:23) إلّا أنّه أولى الأمّ اهتماماً خاصاً، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ) ]متفق عليه[، وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ يُوصِيكمْ بِأمَّهاتِكمْ ثلاثًا إنَّ اللهَ تعالَى يُوصيكُمْ بآبائِكمْ ، إنَّ اللهَ يُوصيكُمْ بالأقْرَبَ فالأقْرَبَ)] رواه ابن ماجه[.
وذكر الأم ثلاثَ مراتٍ في كلا الحديثَين يدلّ على عدة أمورمنها : أنّ برّ الأم والإحسان إليها مقدّمٌ على برّ الأب، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، وأنّ نصيب الأم من البرّ وحسن الصلة أعظم، فهو يعادل ثلاثة أمثال نصيب الأب، وأنّه لو تعارض أمر الوالدَين واستحال الجمع بين أمريهما فإنّ طاعة الأم أَوْلى من طاعة الأب.
ولم يفرق الإسلام في الأمر ببر الوالدين بين ما إذا كانا مسليمن أوغيرذلك لما روي من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم – فاستفتيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم – قلت : قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي ؟ قال: نعم، صلي أمك[ (رواه البخاري ) .
– ويعود سبب أحقّيّة الأم في تقديم برّها وحسن صلتها على الأب انفرادها بتحمّل بعدة أمور؛ وهي صعوبة الحمل الذي يستمر تسعة أشهر، والولادة، والرّضاعة، ثمّ لا تنفكّ تُشارك الأب في التربية، فهي التي تُربي أبنائها على الخير والأخلاق الحسنة وتعلمهم أمور الدين وتدعو لهم بالخير والتوفيق.
– حكم الإحتفال بعيد الأم :
إن تكريم الأمّ والإحسان إليها وبرّها واجبٌ شرعيٌّ مطلوبٌ من الأبناء في كلّ وقتٍ وحينٍ، في حال حياتها أو بعد مماتها .
وللعلماء في حكم عيد الأمّ قولان نفصلهما على النحو التالي :
– القول الأول : ذهب بعض أهل العلم إلى إن الاحتفال بيوم عيد الأم محرّمٌ شرعاً، وأنه من البدع التي لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته الكرام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) وعليه :فإن هذا العيد بدعة ومخالف للشريعة، كما أنه لم يكن معلومٌ في عهد الرسول والصحابة ، والأعياد الشرعية المعروفة هي فقط عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع يوم الجمعة، أما ما سوى هذه الأعياد الثلاثة فهي باطلة ومخالفة للشرع؛ لأنها من الأمور المحدثة في الدين ولم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، لذا وجب ترك الاحتفال به والاكتفاء بما شرع الله ورسوله.
– القول الثاني : ذهب بعض أهل العلم إلى القول بجواز وجود يوم للاحتفاء بالأمهات والاحتفال بهنّ وتكريمهنّ، فليس بالشرع ما يمنع ويحرّم وجود مناسبة تكرّم فيها الأم ويعبّر فيها الأبناء عن برّهم وفرحهم بأمّهاتم ، كما أنّ تكريم الأمهات في يوم الأم لا يدخل في مسألة التّشبه المحظور، بل إنّ الفهم السليم له على أنّه من الحكمة التي هي ضالة المؤمن، وحيثما وجدها فهو أجدر وأحقّ بها، ويزداد تأكيد هذا الفهم للمسألة عندما نجد أنّ موضوع برّ الوالدين وإدخال السّرور إلى قلبيهما متعمّق في نصوص الشريعة الإسلامية، ولا يتعارض معها، ويتأصّل هذا الفهم عندما نجد أنّ المسلمين قد صاموا يوم عاشوراء بالرغم من أنّ اليهود سبقوهم في صيامه، وهم يعلمون، وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يومها، مع علمهم بصيام اليهود له: (نحنُ أحقُّ بموسى منْكم)؛ فصامه وأمر بصيامه، وقياساً عليه فالمسلمون أحقّ وأولى بتكريم أمهاتهم في هذا اليوم من غيرهم.
وأنّ ما تعارف الناس على تسميته بعيد الأمّ، ليس عيداً بالمفهوم الشرعي للعيد، وإن سمّوه عيداً، إذ هو من المعايدة أو العود وهو: التكرارعام بعد عام .
– وأما كونه بدعة : فإن البدعة المردودة هي ما أُحُدث على خلاف الشرع، أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردودًا، ولا إثم على فاعله .
وخلاصة القول : أن الإحتفال بيوم الأم أمر جائز شرعاً لا حرج فيه ، فلا مانع من وجود يومٍ يُعبّر فيه عن مدى حب الأم وتكريمها، بشرط عدم اعتبار هذا اليوم عيد بالمعنى الشرعي فللمسلمين عيدين فقط هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى ، وأيضا عدم وجود مخالفات شرعية في هذا اليوم، فهو عيدٌ من بدع العادات لا العبادات والأصل في الأشياء والعادات الإباحة ، كم ننبه إلى عدم الاقتصار على هذا اليوم فقط في إظهار المحبة والبر والإحسان والتكريم لهن ؛ بل دافعًا لدوام برها فى بقية الأيام . والله أعلم

شاهد أيضاً

دعامات القيادة بقلم محمد تقي الدين

دعامات القيادة بقلم محمد تقي الدين القيادة درب العظماء يسعى إليها كل عظيم لكن هيهات …