كتبت: د/غادة حجاج
تم النشر بواسطة:عمرو مصباح
*الفنانون وشباب اليوم بصمات تصنع الوجدان وتشكل الهوية**
في عصر الصورة السريعة وانتشار المنصات الرقمية، أصبح الفنان مؤثرا رئيسيا في تشكيل وعي الشباب وقيمهم، بل وفي صياغة ملامح شخصياتهم أحيانا. فالفنانون سواء كانوا مغنين، ممثلين، رسامين، أو حتى مؤثرين على وسائل التواصل—لا يقدمون فنا فحسب، بل يزرعون أفكارا، ويحركون المشاعر، ويحدثون تحولات عميقة في نفسية الشباب. لكن هذا التأثير سلاح ذو حدين: قد يكون جسرا للإلهام والتمكين، أو بابا للتبعية والضياع.
**الفنانون كمرايا عاكسة لتطلعات الشباب**
الشباب في مرحلة بحث دائم عن الهوية والانتماء، وهنا يبرز دور الفنان كـ **”بطل ثقافي”** يعبر عن أحلامهم ويجسد صراعاتهم. الأغنية التي تنتقد الظلم الاجتماعي، أو المسلسل الذي يتناول قضايا البطالة، قد يصبحان صوتا لجيل كامل، مما يشعر الشباب بأنهم مفهومون وغير منعزلين. هذا التفاعل يخلق علاقة عاطفية بينهم وبين الفنان، تترجم أحيانا إلى تقليد أسلوب حياته، آرائه، بل وحتى مظهره الخارجي.
*الجانب المضيء: الفنانون مصدر إلهام وتحرير**
عندما يقدم الفنانون نماذج لشخصيات **قادرة على تجاوز الفشل**، أو تعزز الثقة بالنفس—كما في أغاني المطربين الذين ينشدون قوة الذات—يصبح الفن أداة لرفع الروح المعنوية. الدراسات تشير إلى أن الشباب الذين يتعرضون لفن إيجابي يكونون أكثر تفاؤلا وقدرة على مواجهة التحديات. بل إن بعض الأعمال الفنية تساهم في علاج الاكتئاب أو القلق، كتلك التي تعبر عن المشاعر المكبوتة بصدق وعمق.
**الوجه الآخر: تأثيرات قد تهدد التوازن النفسي**
لكن التأثير لا يخلو من مخاطر، خاصة عندما يتحول الفنان إلى *”قدوة سامة”. فمثلا، انتشار أغاني تروج للعنف أو تعاطي المخدرات، أو مشاهير يظهرون حياة مثالية خادعة على “إنستجرام”، قد يزرعان الإحباط أو الدونية لدى الشباب. كما أن التعرض المفرط لمحتوى فني كئيب—كأفلام الرعب أو الموسيقى الحزينة—قد يعمق الشعور بالعزلة، خاصة إذا لم يكن هناك توجيه أسري أو نقدي.
**وسائل التواصل: تضخيم التأثير وتشويه الرسالة*
لم تعد رسالة الفنان محصورة في عمل فني، بل امتدت إلى تفاصيل حياته اليومية عبر “الستوريهات” و”التغريدات”. هذا الاندماج بين الفن والواقع جعل الشباب يختلط عليهم الحد الفاصل بين “الأداء الفني” و”الحقيقة”، مما قد يؤدي إلى تبني قيم مشوهة. فمثلا، مغن يظهر الثراء الفاحش كرمز للنجاح، قد يشوش مفهوم النجاح الحقيقي لدى المراهقين.
*كيف نحول التأثير إلى قوة إيجابية؟
لضمان استفادة الشباب من الفن دون الانجراف وراء سلبياته، يجب تعزيز “الوعي النقدي عبر:
1. **التعليم إدراج مواد دراسية تعلم تحليل الرسائل الفنية وفك رموزها.
2. **الدور الأسري* مناقشة الأعمال الفنية مع الأبناء، وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية.
3. **مسؤولية الفنانين تحويل منصاتهم إلى مساحات للتوعية بدلا من التسويق للصورة النمطية.
الفنانون قادة رأي.. فلنختارهم بحكمة*
التأثير النفسي للفنانين على الشباب يشبه زرع بذور في تربة خصبة: إن نمت اتجاه نور القيم والإنسانية، أثمرت جيلا واعيا. أما إذا تركت للظلام، فقد تنتج أشواكا. لذا، فمسؤولية الفنان—والمجتمع ككل هي أن يجعلوا من الفن إضاءة تنير العقول، لا سحابة تغيبها.