في رحاب الأمن وظله تعم طمأنينة النفوس

في رحاب الأمن وظله تعم طمأنينة النفوس

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أما بعد إن الأمن والإستقرار إذا عم البلاد، وألقى بظله على الناس، أمن الناس على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتب الله الأمن على أهل بلد من البلاد، سار الناس ليلا ونهارا لا يخشون إلا الله وفي رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة للنفوس، ويسودها الهدوء، وتعمها السعادة ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله. 

 

” من أصبح منكم آمنا في سربه معافي في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ” فإن مكانة الأمن كبيرة، فالأمن تحقن فيه الدماء، وتصان الأموال والأعراض، وتنام فيه العيون، وتطمئن المضاجع، ويتنعم به الكبير والصغير والإنسان والحيوان، فالأمن من نعم الله العظمى وآلائه الكبرى، لا تصلح الحياة إلا به، ولا يطيب العيش إلا بإستتبابه، وقد ذكرت المصادر أن مصر مصورة في كتب الأوائل، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها وأجمع أهل المعرفة أن أهل الدنيا مضطرون إلى مصر يسافرون إليها، ويطلبون الرزق بها، وأهلها لا يطلبون الرزق في غيرها، وقال الجاحظ إن أهلها يستغنون عن كل بلد حتى لو ضُرب بينها وبين بلاد الدنيا سور لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا، وأما عن البساتين والأشجار التي على نهر النيل.

 

فكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع، ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، ولقد كانت المرأة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط به من الشجر، وأما عن ورع أهلها فقد قال يحيى بن سعيد جلت البلاد فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه إلا بالمدينة وبمصر، وأما عن عسلها فقد أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال من أين هذا؟ فقيل له من قرية بمصر يقال لها بنها، فقال ” اللهم بارك في بنها وفي عسلها” فعسلها إلى يومنا هذا خير عسل مصر، وأما ما يعجب من رونق منظرها، فذكر عن كعب الأحبار أنه قال من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وإذا أزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت طيرها. 

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى أطيارها، وقال بعض أهل العلم ليس في الدنيا شجرة إلا وهي بمصر، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، وأما المطعومات والمشروبات فيوجد بمصر في كل وقت من الزمان من المأكول والمأدوم والمشروب والمشموم وسائر البقول والخضر، جميع ذلك في الصيف والشتاء، لا ينقطع منه شيء لبرد ولا لحر، يوجد ذلك كله في الصيف ويوجد بعينه في الشتاء غير مفقود منه شيء واحد، أما عن وصف أهلها فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أهل مصر أكرم العرب كلهم، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب عامة، وبقريش خاصة وقال وهو يصفها لعمر بن الخطاب 

 

“مصر درة ياقوته لو استخرج السلطان كنوزها لكفت الدنيا بأسرها” وأما ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها، فروى أبو بصرة الغفاري قال مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ” قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم ” فاللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعفو عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم لكتابك ولسنة نبيك، اللهم أصلح مضغ قلوبهم، اللهم أصلح بطانتهم، ومن علمت فيه خيرا فقرّبه منهم، ومن علمت فيه سوءا لهم وللمسلمين فأبعده عنهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

شاهد أيضاً

بروتوكولات آل صهيون

بروتوكولات آل صهيون بقلم الأديب المصرى  د. طارق رضوان جمعة    هناك قرابة حميمة بينك …

” أنا وقيس وعنترة “

” أنا وقيس وعنترة “ ‘ ثلاثة مجانين وأنثى لا تُرى ‘ (الخشبة مظلمة . …