أخبار عاجلة

في ذكرى رحيل النمر الأسود

في ذكرى رحيل النمر الأسود
بقلم السيناريست/ عماد يوسف النشار
عضو اتحاد كتاب مصر
=================
صادفت الفنان الراحل أحمد زكي مرة واحدة ، كنت يومها في شركة إنتاج بأحد الشوارع المتفرعة من شارع أحمد عرابي بحي المهندسين ، كي أسلمهم حلقات مسلسل دموع القمر من تأليف أستاذي وأخي وصديقي السيناريست الكبير مجدي سالم ، هذا المسلسل الذي تم عرضه وقامت ببطولته الفنانة اللبنانية نور ، ونخبة من الفنانين ، بعدما أنهيت مهمتي ، وبمجرد ما خرجت من الأسانسير قمت بالإتصال بأستاذي لأخبره وأساله إذا كان يريد شئ أحضره معي في طريقي عودتي للمنزل ،لأنني وقتها كنت سعيد الحظ بالإقامة معه هو ونجله الصبي الجميل أحمد الذي كان وقتها في المرحلة الإعدادية ، وهذا ماأتاح لي الفرصة أن أنهل من فيض صنعته وحرفته المتميزة في كتابة السيناريو، وبمجرد أن أنهيت آخر رقم وضغطت على زر الإتصال ، حتى أتاني صوته باكياً نائحاً وهو يصرخ : أحمد مااااات يا عماد ! ، ألجمتني الصدمة وخارت قواي وجلست على الرصيف من هول الخبر الصاعق ، وأنا أرى امامي آخر مشهد جمعني بحبيبي أحمد الذي تركته منذ ساعة عندما أنهينا إفطارنا معاً ومداعباته لي ومدى تعلقه وحبه لي وإلحاحه بالذهاب معي ، لولا أن منعه والده لأنه عنده درس في مادة الرياضيات العقدة الأزلية لأغلب الطلاب .
كيف مات أحمد وهو المفعم بالنشاط والحيوية وصاحب البنيان القوي رغم حداثة سنه ولا يعاني أي مرض ؟!
هكذا أخذت الأسئلة والخيالات تطرق رأسي ، هل صدمته سيارة أثناء عبوره للشارع ، أم لقى مصرعه على إثر شجار مع أصحابه ، هل طعنه أحدهم بمطواة ، أم ذبحه (بكتر) حاد ، أم ضربه بحجر على رأسه ، أم وقع على حافة الرصيف أثناء محاولته الفرار منهم ؟
هكذا وقعت رأسي بين مطرقة الخيالات وسندان الفجيعة ، إستفقت على صوت جهور للسائس وهو يصيح بعنف بسائق عربة ربع نقل محذراً إياه من الوقف في هذا المكان لأنه مخصص لسيارة الباشا التي حان وقت وصولها أسفل شركته ، نهضت الملم خيالاتي المأسوية وأكفكف دموعي على أحمد ، قاصدًا شارع أحمد عرابي بالمهندسين كي استقل السيارة وأعود سريعاً لأشاطر أستاذي في مصابه الفادح ولوعته على وحيده أحمد ، وما أن وطأت قدماي شارع أحمد عرابي حتى أستوقفتني سيدة عجوز مظهرها غاية في البساطة تتوكأ على عكازها ترتدي نظارة طبية وتتشح بالسواد ويبدو عليها الحزن الجلل ، بادرتني بصوت مبحوح : هو جامع مصطفى محمود فين يا ابني اللي هيصلوا فيه على المرحوم أحمد ذكي ؟
وقفت مشدوهاً متأثراً أحملق في السيدة دون أن أنطق بكلمة ، وحزنها الجلل الذي يمزق نياط القلب على وفاة الفنان الراحل وكأنه إبنها أو أحد أقاربها وهي التي أكاد أجزم أنها لم تقابله ولو لحظة في حياته ، ثم تذكرت سريعاً مدى حب وتعلق أستاذي مجدي سالم بالراحل أحمد ذكي ، وتأثره بأخبار مرضه وتطوره التي كان يتابعها عن كثب على مدار الساعة من وسائل الإعلام المختلفة ، وعينه التي كانت تفيض بالدمع عند سماعه أخبار تدهور حالته الصحية ، وأمنية حياته بعمل له يقوم ببطولته أحمد زكي ،فطنت بعدها أن نحيب أستاذي مجدي سالم كان على الراحل الكبير أحمد زكي ، بعدما أطمئننت على حياة أحمد مجدي ، عُدت وحزنت على وفاة أحمد زكي واصطحبت السيدة معي ، وبعد عشرة خطوات أتي رجال المرور وأقفوا الطريق لتمر سيارة اسعاف مستشفى دار الفؤاد تحمل داخلها جثمان الفنان الراحل وفوقها أحد مصوري القنوات الفضائية ، وما أن لمحت السيدة السيارة حتى صاحت نائحة : أحمد حبيبي أهو ، لم أتمالك نفسي من البكاء ورفعت سبابتي للسماء وقرأت له الفاتحة. وبعض الأدعية حتى غابت السيارة عن ناظري ، أكملت السير مع السيدة حتى وصلنا مشارف جامع مصطفى محمود بشارع جامعة الدول العربية الذي أكتظ بألاف من جمهور ومحبي الفنان أحمد زكي ، تركتها تشق طريقها للمسجد بعدما حال الأمن من دخول هذه الأعداد الغفيرة للصلاة عليه ، سيرت بعض خطوات وقمت بالأتصال بأستاذي أسأله عن أحمد مجدي هل عاد من الدرس ليجيبني بصوته الممزق حزناً على الفنان الراحل :أيوة ياحبيبي جوه أوضته بيعيط ويدعي لأحمد زكي .
كلما تذكرت هذا الموقف أنا وأستاذي نضحك ونحزن في نفس الوقت .
رحم الله فنان الشعب وعندليب الدراما العربية أحمد زكي هو وسائر أمواتنا .

شاهد أيضاً

إطلالة رائعة و تكريم مستحق للمطربة التونسية حنان مرصاوي خلال فعاليات مهرجان(إيجي فاشون)

إطلالة رائعة و تكريم مستحق للمطربة التونسية حنان مرصاوي خلال فعاليات مهرجان(إيجي فاشون) #المطربة_التونسية_حنان_مرصاوي #حنان_مرصاوي …