عندما كنت طفلا …. وعندما كبرت !!؟
كتب سمير ألحيان إبن الحسين
️عندما كنتُ طفلا ..
علموني أن لا احترف الكذب في مقتبل العمر .. وأن أبقى صادقا صدوقا ً .. إلى أن يمتدّ بي ّ العمر ُ قليلا .. فالأطفال ُحين يكذبون .. سيصب الله عليهم جام غضبه .. ويدخلهم النار .. وسيبقون فيها مع الكفار .. خالدين فيها أبدا .
وعندما كبرت ..
اكتشفت أن كلّ الناس كانوا يكذبون .. بطريقة أو بأخرى .. وأنني كنت الوحيد الحريص على بضاعة صدقي .. وأنني وبضاعتي هذه .. لم يعد لدينا مكان في السوق .
عندما كنت طفلا ..
قالوا لي أن الحياة جميلة كالوردة.. ومشرقة ٌ كالشمس .. ومدبرة ٌ كالليل .. ومقبلة ٌ كالنهار .
وقالوا لي أيضا ً أن الإنسان يجب أن يكون طيبا وساذجا ً .. عندما يكون طفلا ً
وأن يبقى مخلصا ً , محبّا ًً , صادقا ً .. وممتلئا ً بالأمل .. إلى أن يشيخ .
وعندما كبرت ..
اكتشفت ُ أن الحياة لا تشبه ُ الحياة َ .. إلا قليلا
وان اليأس ينخرني
وأنني أنام ُ مهموما ً .. وأصحو على هموم ٍ جديدة ٍ .. كالمخابيل
وان طيبتي حوّلتني إلى عبد
وأن الذين أحبهم .. حتى الذين أحبهم .. يقايضون محبتي بكراهيتهم .. وسلامي بحربهم .. وأن لا أحد.. ولا شيء معي .. ليزيح عن صدري .. دهور الدبابيس.
عندما كنت طفلا ..
علموني أن لا صوت يعلو .. فوق أصوات من هم اكبر سنا مني
لان الصمت في حضرتهم.. من مقتضيات إجلالهم ..والإعتراف بقدسيتهم .. وسموهم على أمثالي من الضالين .
وعندما كبرت ..
اكتشفت أن الكبير أصبح صغيرا .. وأننا لم نتعلم الأشياء على حقيقتها أبدا ..ولم نستفد شيئا من أحد . .. وان الصمت مقدس .. وان الخوف فضيلة . .. وأنني إذ أتلمس طريقي في الظلمة .. فذلك أفضل لي .. ولأهلي .. وأكثر أمنا وسلاما وفضيلة.. من بقائي نقيا.. تظللني شمس المحبة التي لا ينبغي أن تغيب .
عندما كنت طفلا ..
علموني أن اعتذر عندما أخطئ .. وان اعترف بأخطائي .. حتى وأن كانت صغيرة مثل حلم عابر.. فالاعتذار ليس خطأ .. ولا خطيئة شبيهة ًبالجرب ِ القادم من المستحيل .. وان التواضع قوة .. وان الرغبة في الأستحواذ على كل شيء مرض عضال.. وان التعالي على الآخرين يجعل الله بعيدا جدا عني .. ويجعلني بعيدا جدا عن الله .
وعندما كبرت ..
اكتشفت أنني تعلمت الأعتذار عن أشياء لا ينبغي الأعتذار عنها .. وان الأقوياء لا يعتذرون .. حتى عن ضعفهم .. وان السماوات أصبحت بعيدة جدا .. وما عاد بوسعي أن أمد يدي نحو احد .
عندما كنت طفلا ..
علموني أن وعد الحر .. دين في عنقه
وإنني إن وعدت .. فينبغي علي أن أفي بوعودي .. وأن أنذر حياتي .. كي تكون ضحية رخيصة لهاته الوعود .
وعندما كبرت ..
اكتشفت أن اغلب الناس لا يفون بوعودهم .. حتى لأنفسهم
وان تلك الوعود العتيقة كالليل .. أصبحت مجرد كلمات.. كالسحاب العابر فوق العطش المر .. وككسرة الخبز ألأسود .. الذي يسُدّ ُ به السادة الجدد أفواه القطيع .
عندما كنت طفلا..
علموني أن الحق حق .. وان الباطل باطل .. وان الخير خير .. وان الشر شر .. وان لاشيء يصّح إلا الصحيح .. وان للحق جولات .. وللباطل جولة واحدة .. فإن كان لي حق عند احد .. سأنتزعه بأسناني .. دون خشية من سلطان ظالم.. فالله معي .. ولن يتخلى عني .. وسيظللني برحمته .. ويمدني بأسباب القوة والمنعة .. وأسباب البقاء .
وعندما كبرت ..
اكتشفت أن منطق الحق لم يعد كافيا للحصول على رغيف من الخبز لأهل بيتي .. وان للباطل وأهله جولات وجولات .. وان للحق جولة واحدة خضتها في صغري .. وتوهمت إنني انتصرت فيها .. وان معلمي الأول كان واهما مثلي .. وأننا معا ً قد هُزمنا .. وانتهى الأمر .
عندما كنت طفلا ..
علموني أن لا أتحدث عن أشياء لامعنى لها .. ولا جدوى منها ..
وان أصغي بخشوع لكل كلمة تقال .. كي استفيد من تجارب الآخرين
وأتعلم منهم خلاصة خبرتهم .. ومحنتهم .. وصبرهم على البلوى .
وعندما كبرت ..
اكتشفت أن أكثر الناس يتحدثون عن أشياء لا يدركون معناها .. وان لا أحد يصغي إلى احد .. وان أحدا لم يعلمني سحر تلك الكلمات المنافقة .. التي تفتح لمن يجيدها أبواب الجاه والحظوة والمال .
وعندما كبرت.. وكبرت …
اكتشفت أن كل ما تعلمته في ذلك الزمان الواعد الجميل .. لا صلة له بما يحدث أمامي الآن
فهل أعيش الحياة كما علمني إياها أولئك الأفذاذ من المعلمين الأوائل ..
أم أعيشها كما أراها الآن ..سابحا مع هذا التيار الهادر..المليء بالأنذال؟؟
هل انشد مع الملائكة ترانيم حزني .. حالما بالشمس التي سوف تأتي ..
أم اعوي مع أجواق الكلاب الطليقة في دروب بلدي .. ناعيا ً كل الأشياء الحلوة التي ماتت .. في قلوب الناس . ؟؟
فعندما كنت صغيرا كنت أعيش المثالية في كل شيء أما عندما كبرت رأيت زلزالا من إنقلاب المفاهيم والاعراف والأخلاق والمثل التي تشبعث بها ونشأت عليها راسا علي عقب
فياليتني ضللت صغيرا ودمت علي الفطرة سويا .