إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع رحلة الحج، وذهب في رواية ثالثة إلى أن من كان قصده التعجيل في اليومين يجوز له أن يرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق قبل الزوال، وذلك لدفع الحرج، لأنه إذا نفر بعد الزوال لا يصل إلى مكة إلا بالليل فيخرج في تحصيل موضع النزول، وهذا الرأي هو رواية لأحمد لكنه قال ينفر بعد الزوال، وقد قوى بعض متأخري الحنفية هذه الرواية توفيقا بين الروايات عن أبي حنيفة، ولأن الأخذ به مناسب لمن خشي الزحام وفيه رفع الحرج، وقد استدل الجمهور بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث رمى في أيام التشريق بعد الزوال، وما رواه البخاري بسنده عن ابن عمر قال “كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا” واستدل أبو حنيفة في رواية.
وعطاء وطاووس بأن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل على السنية والندب، إذ لا دلالة للفعل المجرد على الوجوب، إضافة إلى أن في ذلك رفع الحرج والتيسير على الناس الذي أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سئل في أيام منى عدة أسئلة فقال فيها “لا حرج” كما سبق، واستدلوا كذلك بالقياس على الرمي في يوم النحر بجامع إن كل هذه الأيام الأربعة يوم نحر، ورمي في الجملة، ومن جانب آخر فإنه لا يوجد نص صريح على منع الرمي فيها قبل الزوال، ومن المعلوم ان الواجب لا يثبت إلا بدليل صريح بل يؤكد هذا المعنى الأدلة السابقة، وأما عن مدى جواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة، فإن المسألة ليست مسألة قطعية مجمعا عليها بين الفقهاء.
وإنما الخلاف فيها خلاف معتبر بين جمهور الفقهاء، وجماعة من الفقهاء الكبار، وهكذا عبر الفقهاء عن هذا الخلاف ولم ينفوا هذا الخلاف مما يدل على قوته واعتباره، فقال ابن رشد واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشريق، فقال جمهور العلماء من رماها قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال، وروى عن أبي جعفر محمد بن علي انه قال رمي الجمار من طول الشمس إلى غروبها ويقول الزركشي الحنبلي وشرط صحة الرمي في الجميع أن يكون بعد الزوال على المشهور، والمختار للأصحاب من الروايتين، وأما عن المجيزون للرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة، فقد ذهب أبو حنيفة في إحدى رواياته إلى جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الأول، والثاني.
وذهب في رواية أخرى إلى انه إذا نفر في اليوم الثاني لمن تعجل او الثالث لمن تأخر يجوز له أن يرمي قبل الزوال، وجعل بعض الحنفية هذه الرواية من الروايات غير المشهورة، وبالتالي فالمعتمد عندهم هو عدم جواز الرمي قبل الزوال في حين جعل بعضهم هذه الرواية من الروايات المعتمدة، جاء في إرشاد السارى، ذكر الحاكم في المنتقى عن الإمام، أي أبي حنيفة انه لو أراد النفر في اليوم الثالث قبل الزوال، جاز له أن يرمي، كذا في المبسوط وكثير من المعتبرات، وهي رواية عن أبي يوسف، كذا في شرح الطحاوي، وعلى هذه الرواية عمل الناس اليوم، وفيها رحمة من الزحمة، ويظهر ان المراد بما قبل الزوال على كل من الروايتين من طلوع الفجر، لأنه أول النهار.
وروي عن أبي يوسف القول بجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث من أيام العيد لمن أراد النفر قبل الزوال، وممن ذهب إلى جواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة إمام الحرمين والحاكم أبو الفتح الارعيناني صاحب الفتاوى كما ذكره الشاشي، والرافعي، واعتمده الاسنوي حيث أجازوا الرمي من الفجر، وعبر الشرواني عن هذا القول بأنه من قبيل مقابل الأصح، لا الصحيح، ومن المعروف ان مقابل الأصح هو الصحيح، ومقابل الصحيح الضعيف، وهذا يعني أن هذا القول ليس ضعيفا، ويقول الإمام الرافعي بخصوص تدارك رمي يوم في اليوم الآخر وانه أداء على الأصح إن قلنا أداء فجملة أيام منى في حكم الوقت الواحد.