جذور الإيمان عند المصريين القدماء وكيف شوهه الجهل عبر العصور

جذور الإيمان عند المصريين القدماء وكيف شوهه الجهل عبر العصور

 

كتب/ أيمن بحر

يطرح البعض سؤالا متكررا حول ما إذا كان الفراعنة قد عبدوا الأصنام وكيف يمكن للمصري اليوم أن يعتز بحضارة لا تنتمي للأديان السائدة في العصر الحديث وهذه الجدلية أصبحت مادة جاهزة لمن يحاول اختزال الحضارة المصرية في بعدها الديني فقط الأمر الذي يغذي التيارات التي تعادي الوطن والإنسانية بينما فهم هذه المسألة يحتاج وعيًا باختلاف العصور وتطور الفكر الإنساني عبر آلاف السنين

مرت البشرية برحلة طويلة من التحول الروحي والفكري وصولا إلى الأديان والمعتقدات الحديثة التي تختلف تماما عن معتقدات العصور القديمة ومع أي محاولة جادة للغوص في جذور الفكر الديني المصري القديم ستظهر حقيقة مهمة وهي أن المصريين القدماء وضعوا الأساس لفكرة العقائد التي تتجاوز حدود العالم المادي وأنهم أول من أسس لفكرة البعث والحياة بعد الموت وأقاموا منظومة قيم أخلاقية وروحانية جعلت الدين لديهم إطارا لخدمة المجتمع وتنظيم الحياة

أما مسألة تعدد الآلهة فمحاولة إنكارها أو وصفها بتهم معاصرة يعد تشويها للتاريخ لأن دين المصريين القدماء كان يعبر عن رموز وقوى ومبادئ وليس عن أصنام بالمعنى الذي يتخيله البعض والتعامل مع العقائد القديمة بعيون الحاضر هو خطأ منهجي كبير لأن الحكم على فكر نشأ قبل آلاف السنين بمعايير ظهرت بعده بفترات طويلة يؤدي لخلط غير منطقي يسيء للحضارة ولا يخدم فهمها

المصريون القدماء عرفوا فكرة الإله الخالق لكنهم عبّروا عنها برموز ومفاهيم تخص عصرهم فكانت بعض الآلهة تمثل صفات كونية مجردة وبعضها يرتبط بمدن أو مناطق محددة ولذلك تختلف مكانة الإله من فترة إلى أخرى مثل رع وإله الخلق المختفي آمون الذي اقتربت تصوراته من مفاهيم التوحيد المعروفة اليوم إضافة إلى شخصية الإلهة الأم التي تجسدت في إيزيس

وبشكل واضح ظهرت فكرة التوحيد في عهد أخناتون الذي قدم ثورة دينية غير مسبوقة قائمة على الإيمان بإله واحد هو رع وهو ما مثّل نقلة فكرية أثرت في الفلسفات الدينية اللاحقة رغم أنها أحدثت اضطرابا في التوازن الذي عرفته مصر عبر آلاف السنين لكن هذه النقلة تظل شاهدا على عمق البحث الروحي الذي ميز المصريين القدماء

أما محاولة إعادة تقديم الدين المصري القديم بصورة تشبه الأديان الحالية أو إنكار تعدد آلهته فلن تضيف شيئا للحضارة ولا للدين الحديث لأن الأديان وليدة بيئاتها التاريخية ولا يصح أن تكون معيارا للحكم على حضارة سابقة فالتاريخ والعلم والحضارات لها سياقات خاصة ولا يمكن إخضاعها لمقاييس ظهرت بعدها بوقت طويل

ويتم أحيانا استغلال مكانة الفرعون بشكل خاطئ بينما الحقيقة أن الملك لم يكن إلها يعبد بل قائدا يحمل قدسية رمزية مرتبطة بحماية البلاد وتحقيق النظام الكوني وكان يُنظر إليه كوسيط بين الشعب وقوى السماء لضمان الاستقرار والنمو وكلما زادت قدراته وقوته زادت مكانته لأن قوته كانت انعكاسا لقوة الدولة

كما يجب الإشارة إلى أن وجود المعابد وتنظيم رجال الدين ككيان له دور وهيكلة واضحة كان ابتكارا مصريا خالصا انتقل منه إلى العالم كله واليوم حين نرى معابد وكنائس ومساجد يجب أن نتذكر أن المصري القديم هو أول من أسس لهذه الفكرة وأسهم في وضع البدايات الأولى لتاريخ المؤسسات الدينية وتطور الأخلاق في العالم وهي مجرد نقطة من بحر إرث حضارة ما زالت تنير طريق الإنسانية حتى يومنا هذا

شاهد أيضاً

البرهان يعلن الحكومة السودانية لم تتسلم أى وثيقة أمريكية جديدة

البرهان يعلن الحكومة السودانية لم تتسلم أى وثيقة أمريكية جديدة كتب/ أيمن بحر أكد رئيس …

محافظ البحر الأحمر يوجه بتحويل المحور الرابط من الكورنيش إلى النصر لاتجاهين وإنشاء صينية بنهاية شارع الثلاثيني

محافظ البحر الأحمر يوجه بتحويل المحور الرابط من الكورنيش إلى النصر لاتجاهين وإنشاء صينية بنهاية …