كتبت: منى العساسي
الحقيقة، يصعب فهم دوافع رئيس مثل ترامب للتدخل في أزمة معقدة كالأزمة السودانية إذا نظرنا إليه من زاوية الدور الأميركي التقليدي في إدارة النزاعات العالمية. فترامب لا يؤمن أصلاً بفكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تؤدي دور الزعيم الدولي، هو رجل أعمال يتحرك بمنطق الصفقات، والربح والخسارة، وفلسفة (الفتوة) الحماية مقابل الثمن، لا بمنطق الالتزام الأخلاقي أو المسؤولية الدولية. لذلك السؤال ما الذي قد يدفعه إلى التدخل في السودان؟
السودان اليوم مساحة ذات قيمة استراتيجية عالية، موقعه على البحر الأحمر، أحد أهم طرق الملاحة الدولية، يمنح من يسيطر عليه مدخلاً إلى ممر حيوي يربط آسيا بأوروبا. لهذا سعت موسكو إلى ترسيخ وجودها في بورتسودان، وعززت تعاونها مع قوات الدعم السريع عبر مجموعة “فاغنر” التي انخرطت في استخراج الذهب وتمويل العمليات الروسية. ونتيجة لذلك بات الدعم السريع أقرب إلى موسكو، بينما حاول الجيش الاقتراب من المحور الغربي والخليجي الرافض لأي تمدد روسي. إلى جانب ذلك، يملك السودان ثروات ضخمة من الذهب والمعادن والأراضي الزراعية، في ظل دولة منهكة ومفتتة سياسياً، ما يجعل النفاذ إليها أكثر إغراءً.
بالنسبة للولايات المتحدة، يعد الوجود الروسي في البحر الأحمر تهديداً استراتيجياً لا يمكن تجاهله. لذا تسعى واشنطن إلى منع إقامة أي قاعدة روسية، وتجفيف مصادر تمويل فاغنر، ودفع مسار سياسي يضبط القوى المسلحة ويعيد السودان إلى محيطه التقليدي. دخول ترامب على خط الأزمة، وتصريحه برغبته في فرض حل، قد يعكس رغبة في قطع الطريق أمام الطموحات الروسية، وربما تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية سريعة يقدمها كإنجاز داخلي.
أما الترحيب السوداني الواسع بتصريحات ترامب، فيكشف حالة إنهاك عامة، ورغبة في التعلق بأي تدخل قد يوقف الحرب دون دراسة لما يمكن أن يحدث جراء ذلك. فإمكانية انزلاق السودان إلى صراع بالوكالة لصالح روسيا وأمريكا، واستمرار الحرب دون أفق، قد تدفع نحو سيناريو يشبه ما حدث في ليبيا أو سوريا.
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 