أخبار عاجلة

بغية المحبين ، أم الخير، رابعة العدوية”

مقال بعنوان :بغية المحبين ، أم الخير، رابعة العدوية”ت185ھ”.
بقلم الأستاذ الدكتور عادل خلف القليعي أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان .
غايتي من كتابة هذا المقال والتذكير بهؤلاء الاكارم الذين عبدوا الله تعالي حبا فيه، غايتي، التذكير بمناقب ومآثر هؤلاء ومنهم السيدة رابعة، وكيف كان زهدها في هذه الدنيا، لماذا؟!لما رأيناه من انغماس الناس انغماسا كاملا في الشهوات، وانقيادهم إليها ولهاثهم خلفها قلبا وقالبا، إلا مارحم ربي.
نحن لانرفض الدنيا ولا نطالب بالزهد المطلق والتقشف التام، ولا نحرم ما أحله الله من متع الحياة، ولكن ما نرفضه هو المغالاة في الاستمتاع والغرق في الشهوات التي تقود الإنسان إلي الوقوع في براثن الرذيلة.
وإن ما ندعو إليه هو التوسط والاعتدال، لأن عدم الوسطية يقود إلي اختلال كفة الميزان.
هي رابعة بنت اسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عتيك التقية النقية الزاهدة العابدة الصالحة الناسكة التي سلكت مسلك الزهد حبا في الله وترك الدنيا بما فيها علي مافيها ذاهبة الي ربها ليهديها.
فقد سادت نزعة الزهد في مدرسة البصرة وأخذ الزهد وترك الأغيار والاتجاه بالكلية إلي رب الأغيار مسلكين : المسلك الأول، مثله الحسن البصري الذي تمثل الزهد رهبة وخوفا من الله تعالي وخوفا من عذابه فانقطع إلي العبادة.والمسلك الآخر، الذي سلكته رابعة مسلك الزهد لا خوفا من العذاب ولا طمعا في ثواب وانما حبا منزها حبا لا تشوبه شائبة غرض ولا مأرب اللهم إلا حب التنزيه والتقديس للذات السرمدية.
التقت سفيان الثوري فقالت له:انما أنت أيام معدودة فاذا ذهب بعضك ويوشك، إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم فاعمل.
وقد لقيها سفيان ذات يوم وقد ساءت حالتها فعاتبها فقالت له:يا سفيان وما تري من سوء حالي؟!ألست علي الإسلام فهو العز الذي لا ذل معه والغني الذي لافقر معه والأنس الذي لاوحشة معه ، والله لاستحيي أن أسأل الدنيامن يملكها فكيف أسأل من لا يملكها؟!
وكانت دوما تعاتب نفسها وتلومها قائلة:يا نفس كم تنامين والي كم تقومين،يوشك أن تنامي نومة لاتقومين منها إلي صرخة البعث.
أقفلت باب الدنيا والأمور الحسية، وذلك لتحقيق المعني الحقيقي للعبودية في نظرها-والناس فيما يعشقون مذاهب-وهو ما يتضح في طبيعة اندماجها الروحي والوجداني من خلال الحب الإلهي الذي شكل ظاهرة واضحة في أشعارها.
حبيبي لا يعادله حبيب** وما لسواه في قلبي نصيب.
حبيب غاب عن بصري**وشخصي،ولكن عن فؤادي لا يغيب.
فالعلاقة بينها وبين حبيبها علاقة روحية علاقة تجرد لذا كانت حينما يجن عليها ليلها تناجيه قائلة: إلهي هدأت الأصوات وسكنت الحركات وخلا كل حبيب بحبيبه ، وقد خلوت بك أيها المحبوب فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة حبي إليك..فأنشدت قائلة:
إني جعلتك في الفؤاد محدثي**وابحت جسمي من أراد جلوسي.
فالجسم مني للجليس مؤانس**وحبيب قلبي في فؤادي أنيسي.
واتخذت الخلوة سبيلا لها للوصول إلي بغية المشتاق والعروج إلي الجناب ، بل ووجدت راحتها النفسية فيها
راحتي يا أخوتي في خلوتي**وحبيبي دائما في حضرتي.
لم أجد عن هواه عوضا**وهوانا في البرايا ضمني.
يا طبيب القلب يا كل المني**جد بوصلك منك يشفي مهجتي
يا سروري وحياتي دائما**نشأتي منك أيضا نشوتي.
قد هجرت الخلق جميعا ارتجي**منك وصلا فهو أقصي منيتي.
وحين سألها سفيان عن حقيقة ايمانها،كانت المحبةهي التعبير ، ما عبدته خوفا من ناره ، ولا حبا في جنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حبا له وشوقا إليه.
أحبك حبين حب الهوي**وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوي**فشغلي بذكرك عمن سواك.
وأما الذي أنت أهل له **فكشفك لي الحجب حتي أراكا
فلا الحمد في ذا ولاذاك لي**ولكن لك الحمدفي ذا وذاكا.
ويعتقد أنها ربما أرادت بحب الهوي حب الله لاحسانه إليها وانعامه عليها بحظوظ الدنيا ، وقيل أن معني حب الهوي هو أنها رأت محبوبها فأحبته عن مشاهدة اليقين.،
انها رابعة العدوية التي أفنت عمرها في طاعة الله فمنحها الله تعالي الرضا والحظوة والقبول وأفاض عليها من أنوار واشراقات محبته ففاقت الخلق في دين وفي خلق ، فجاد عليها أبا الجود والكرم فغرقت في بحور المشاهدات الربانية وظلت علي هذه الحال حتي لبت نداء ربها واسلمت روحها راضية مرضية.
فتوفيت سنة 185ھ ودفنت بظاهر القدس من شرقيه علي ظهر جبل يسمي الطور.
هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، هؤلاء الذين تحقق فيهم قول الله تعالي “لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون”.
رضي الله عن رابعة العدوية أم الخير ورضي الله عن الصالحين الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا .
سلام علي رابعة في الأولين وفي الآخرين وسلام علي كل اوليائه الصالحين. جزاكم الله خيرا أهل الحب والاخلاص وأحسن اليكم.

شاهد أيضاً

===== خلي صورتك ذكرى =====

===== خلي صورتك ذكرى ===== لو تاني اتقابلنا في سكة واحدة اختفي عني وما تبصليش …