أخبار عاجلة

الملك الذى جاء متأخرًاُ… فأنقذ مصر

الملك الذى جاء متأخرًاُ… فأنقذ مصر

كتب/ أيمن بحر

فى أرض الكمت حيث يجرى النيل كشريان حياةٍ أبدى انطفأت شمس الأسرة الثامنة عشرة بضوءٍ لم يخب أبدًا فى ضمير التاريخ. بدأت بأحمس الذى طرد الهكسوس وصرخ فى وجه الغزاة: «مصر للمصرييها» وانتهت برجلٍ لم يولد ملكًا، لكنه صار أعظم من ولد ملكًا… حور محب.ترك إخناتون البلاد كجرحٍ مفتوح. كهنة آمون يشهرون خناجرهم في الظلام، وكهنة آتون يردّون بالسموم فى الخفاء. طفلٌ فى العاشرة يجلس على عرشٍ يأكل العظام اسمه توت عنخ آتون، ثم صار توت عنخ آمون حين رأى الدم يسيل في شوارع طيبة. بجانبه رجلٌ عجوز يبتسم ابتسامة الثعلب، اسمه «آي» يقال إن يده هي التي وضعت القناع الذهبي على وجه الملك الصبي… بعد أن ضمنت أن لا يتنفس تحته بعد ذلك.كانت مصر حينها كبيتٍ انهار سقفه: جنود يسرقون التمر من أفواه الأطفال، قضاة يبيعون الأحكام بثمن كيس شعير، فلاح يبكى على بقرته التي ساقها جنديٌ إلى معسكره ولم ترجع. لم يعد أحد يعرف أين القانون وأين السيف.ثم جاء هو.لم يأتِ على عربة ذهبية ولا بتاجٍ مرصّع. جاء من بين صفوف الجيش، رجلٌ طويل القامة، صلب الوجه، عيناه كأنهما تريان ما وراء الوجوه. اسمه حور محب. لم يقل يومًا «أنا الملك»، قال: «أنا خادم هذا الشعب».في السنة الأولى من حكمه، سار في شوارع منف ليلاً متخفيًا. رأى جنديًا يسحب عنبًا من سلة فلاحة عجوز. في الصباح، كان الجندي معلقًا في ميدان المدينة، ظهره مفتوح بمائة جلدة، وحور محب يقف بنفسه يعدّ الضربات حتى لا تقل واحدة.قال لقادة جيشه كلمةً واحدة لم ينسوها:
«من أراد المجد فليذهب إلى خيتا أو آشور، أما من بقي في مصر فعليه أن يحمي مصر لا أن يأكلها».أصدر قانونًا كتب على جدران المعابد بثلاث لغات حتى يفهمه المصري والنوبي والليبي:إن عجز إنسان عن دفع الضريبة فلا يُسأل عنها أبدًا.
الجندي الذي يأخذ تفاحة من فلاح يُجلد مائة جلدة، والضابط الذي يغمض عينه عنه يُجلد مائتين.
القاضي الذي يبيع حكمًا يُقتل، حتى لو كان صديقي أو أخي.
كل مواطن له أن يصرخ بظلامته أمامي شخصيًا، وسأسمعه قبل أن تغرب الشمس.

كان يمر بنفسه على القرى متخفيًا، فإذا وجد مخزنًا سرق نصفه، أمر بحرق النصف الآخر أمام صاحبه وقال: «الذي يسرق من شعبي لا يستحق حتى ما سرق».في السنة العاشرة، ثار أمراء كوش وبونت. لم يرسل حملة إبادة، أرسل حملة «تذكير». عاد الجنود بأمراء التمرد مكبلين، لكن حور محب أجلسهم أمامه وقال:
«أنتم أبناء مصر مثلي، لكن من يرفع يده على أمه تُقطع يده». ثم أعاد إليهم أراضيهم بعد أن أقسموا على طاعة القانون. لا يزال هذا المشهد منحوتًا على جدران الكرنك: حور محب جالس، وأمعه رؤساء كوش وبونت راكعين، لكن رؤوسهم مرفوعة… لأول مرة يركعون بكرامة.عندما جاء وفد خيتا لعقد الصلح، قال مورسيل الثالث:
«سمعت أن ملك مصر لا يكذب، فهل هذا صحيح؟»
رد حور محب: «لو كذبتُ يومًا على شعبي، لقتلني بنفسه، فكيف أكذب على جاري؟»
فكانت أول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ، نسختها الفضية لا تزال في المتحف التركي، ونسختها الذهبية في المتحف المصري.حكم ثلاثين عامًا. لم يبنِ هرمًا ولا تمثالاً عملاقًا لنفسه. بنى شيئًا أصعب: شعبًا ينام آمنًا وهو يعلم أن ملكه سيأتي بنفسه إذا صرخ.عندما مات سنة 1304 ق.م، لم تبكِ مصر فقط، بكى النيل نفسه ثلاثة أيام حتى فاض.سار الشعب كله خلف نعشه إلى سقارة. لم يكن في النعش تاج ولا صولجان، كان فيه لفافة بردي مكتوب عليها بخط يده:«عشتُ لمصر، ومتُّ لأجلها، فإن سألتموني ماذا أريد مقابل ذلك،
أريد أن يعيش كل طفل مصري آمنًا كما عاش أبنائي».سرق اللصوص بعد قرون أحجار مقبرته، فتوزعت في متاحف العالم، لكن الكلمات التي كتبها بقيت محفورة في ضمير البشرية:كان هناك يومًا ملكٌ لم يرد أن يكون ملكًا،
فصار أعظم ملك في تاريخ مصر.
اسمه حور محب…
ومازال اسمه، حتى اليوم، يُنطق بصوتٍ خافت مليء بالرهبة والحب.

شاهد أيضاً

أفتتاحات جديدة لمجموعة بيك الباتروس للفنادق بشرم الشيخ والغردقة ومرسى علم فى عام ٢٠٢٦

أفتتاحات جديدة لمجموعة بيك الباتروس للفنادق بشرم الشيخ والغردقة ومرسى علم فى عام ٢٠٢٦ البحر …

محافظ البحر الأحمر يعلن بدء أعمال ربط مناطق جديدة بشبكة الصرف الصحى بالغردقة

محافظ البحر الأحمر يعلن بدء أعمال ربط مناطق جديدة بشبكة الصرف الصحى بالغردقة كتب/ أيمن …