المشاركة فى بناء الأوطان
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن قضية الإصلاح قضية مصيرية، يترتب عليها احتفاظ الأمة بمسارها الإسلامي ولن ينصلح حال الأمة إلا إذا قام كل فرد بدوره من إصلاح نفسه ومجتمعه، والاعتصام بحبل الله تعالى والبعد عن مواطن الخلاف والزلل، وأن المعركة الكبرى وهى معركة البناء والتنمية هي البؤرة العميقة التي يجب أن تتوجه إليها الجهود والطاقات، وهي الميدان الفسيح الذي ستتسابق فيه الخيول الأصيلة التي تجسد مواهب أبناء الوطن وقدراتهم، فإن الانشغال بالجزئي عن الكلى هو سبب التعثر في كبير الأمور وصغيرها، وليس من الحكمة في شيء أن يترك القائد بل والإنسان ميدانه الفسيح الذي ينتظر منه تحقيق الأهداف لينشغل بما لا طائل تحته من الاهتمامات الشكلية.
والجزئية والفرعية على حساب الأصول والمنظور الشامل للحياة، واعلموا جيدا ان الأمة الإسلامية ليست حدثا عارضا في حياة الإنسانية، وليست نبتا بلا قرار، بل إنها فيها التوحيد شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، إنها وفيها الحق ليست زبدا طافيا يذهب جفاء، وإنما هي معدن أصيل ينفع الناس، فيمكث في الأرض، إنها فيها القرآن وبيانه لن ينتهي مدها، ولن يطفأ نورها، ولن يخمد ذكرها بفضل من الله ورحمته، وإنها أمة الرسل والأنبياء جميعا، تآخت فطرتها مع فطرة الكون الذي أسلم كل من فيه لله طوعا وكرها، وإنها ذات أصل ثابت وفرع ممتد في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، غيرها من أهل الباطل له في الزمن ساعة.
وهي بفضل الله إلى قيام الساعة، فتأتى إليها الريح، فتميل بها ولا تقتلعها، وتهب عليها العواصف فتسقط من ورقها ما صار هشيما، وتظل تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولئن مرت عليها فترات فتور أو خمول يراها أهل الكفر مواتا، ويرون حماها بواحا فإن لها من مقوماتها ما يبعث الحركة فيها، ويجدد الحياة، ومهما طال الليل فإن فجرا صادقا يأتي عليه، فيطوى ظلامه، ونجما رائدا متألقا مجددا يؤذن بطلوع الفجر، فتتحول الحياة وهي تسمع الآذان من حال إلى حال، فيصحو الغافل، ويستيقظ النائم، ويصبح نشيطا طيب النفس، فإن الرقي والتقدم في أية بقعة من بقاع العالم، وفي أي مجال من مجالات الحياة الانسانية، ماضيا وحاضرا، لا يكون بناؤهما إلا على يد ابناء مجتمعها.
فعندما يغرس الإسلام في روح الإنسان حب الخير والصلاح وأعمال البر، إنما يقصد خلق نموذج إنساني تتجسد فيه كل مقومات الصلاح والنبل والجمال، فمتى صار الإنسان صالحا، فإنه سيكون فيضا من العطاء الخير، ليس لنفسه فحسب، وإنما للعالم أجمع، ولذلك حينما نتأمل حالة مجتمعنا اليوم ونحاول أن نرصد نشاط شبابه عن كثب، نجده منصرفا إلى ما يهدم دعائم هذا الوطن بدل بنائها وإقامتها، إذ يختفي حس المسؤولية وينعدم الواجب وتغيب التضحية وراء ستائر العبث والاستهتار واللامبالاة، فلا يبقى إلا الدور السلبي الذي أصبح يقوم به معظم الشباب إذا لم نقل كلهم استثناء لفئة قليلة جدا، إلا ما رحم الله عز وجل، وإن من سنن الله تعالى في البشر.
أن أوجد فيهم المصلحين والمفسدين، وجعل الصراع بين الفريقين إلى آخر الزمان، وحين أخبر الله تعالى أنه مستخلف بشرا في الأرض خاف الملائكة من فساد البشر، فقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء” فأجابهم الله تعالى بقوله ” إنى أعلم ما لا تعلمون” وما يعلمه سبحانه وتعالى أن سعي المصلحين بالصلاح في الأرض فيه من المصالح ما يربو على فساد المفسدين، ويكفي المصلحين شرفا وعزا أن الله تعالى نوه بهم في أول خطابات خلق البشر، كما تدل الآيات على أهمية الإصلاح في الأرض، وأن كثرة المصلحين خير للبشرية كما أن وجود المفسدين شؤم عليها، وتتابعت شرائع النبيين عليهم السلام تسعى بكل أنواع الإصلاح.