الحرب وأزمات الهوية والتضييق الشامل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد إن كل ما في الدنيا من أهواء وأعمال وآراء متردد بين الحق والباطل والهدى والضلال والخطأ والصواب ومسألة الحياد في أمر الحق والباطل مسألة غير واردة وحين يقول إنسان أنا محايد بين الحق والباطل يصنف في دين الله وشرعه في قائمة أهل الباطل، ولذلك يقول الله جل وعلاه كما جاء في سورة يونس ” فذلكم الله ربكم فماذا بعد الحق إلا الضلال ” والحق والباطل بينهما صراع منذ أن خلق الله الإنسان، ومنذ تلك اللحظة إبتلى الإنسان بكيد الشيطان وصراعه معه.
ومازال الشيطان يكيد لآدم حتى أهبط لهذه الدنيا وهنا إنتقل ميدان الصراع إلى هذه الأرض ويقول الله عز وجل ” بعضكم لبعض عدو ” وبعد هبوط آدم وحواء إلى الأرض ظلت أجيال من الناس على الهدى قرون طويلة يتوارثون الهدى والإيمان عن أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام كما جاء في تفسير قول الله جل وعلا في سورة البقرة ” كان الناس أمة واحده فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ” وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان بعد آدم عشرة قرون كلهم على الهدى فإختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وهكذا جاء في قراءة ابن مسعود وأبى بن كعب” كان الناس أمة واحده فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ” وهذا أحد الأوجه في تفسير الآية وبناء عليه نستطيع أن نقول أن الأجيال التالية لآدم ظلت وفية للحق وللتوحيد الذي تلقته عن آدم عليه السلام.
حتى أثر فيهم هذا الشيطان، فإنحرفوا عن التوحيد وإندرست معالمه، فإحتاج الأمر إلى بعثة نبي يجدد الإسلام والتوحيد فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وبعد بعثة هؤلاء الرسل عليهم السلام صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم، وبين أعداء الرسل من الشياطين وأتباعهم، ولذلك يقول الله تعالى ” وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ” فما من نبي يبعث إلا ويتصدى له أعداء من المجرمين يضعون العراقيل في طريقه ويعترضون عليه بمختلف الوسائل، وبعد بعثة النبي الخاتم المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم إنحصرت الخصومة بين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له أعداء كثيرون من المجرمين، ومن الأكابر، وما أبو جهل وعتبة وأبو لهب وشيبة وغيرهم إلا أمثلة ونماذج.
لأعداء الرسل عليهم السلام ثم الذين يحاربون دعوته صلى الله عليه وسلم عبر العصور إلى أن يرث الله تعالي الأرض ومن عليها، وذكرت المصادر الكثير عن الحروب وما تصنعة من دمار وخراب في البلدان، وإن تأثير الحرب على المجتمعات واضح تاريخيا فقد أدت عواقب الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية مثلا إلى صدمة نفسية هائلة وعميقة الجذور في جميع أنحاء أوروبا، حتى إنها أدت لإختفاء قوى عظمى أوروبية، كبريطانيا وفرنسا وتركيا والنمسا، وإنهيار إمبراطوريتهم بسرعة فائقة، ولولا الصدمة التي شعرت بها تلك الشعوب ما إنهارت تلك الإمبراطوريات مجتمعة في لمحة من الزمن، حتى يمكن وصف شعوب هذه الدول بالجيل الضائع، الباحث عن ذاته من جديد، ويعني هذا المصطلح مجموعة من الناس الذين خاب أملهم بسبب أهوال الحرب.
ويواجهون أزمات الهوية والتضييق الشامل، مثلما ظهرت حركات شعبية عقب الحرب العالمية الثانية أساسها الحرية مثل حركة الهيبيز والإباحية وإنتفاضة فرنسا وغيرها، وقد إفترض سيجموند فرويد أن المشاعر المكبوتة قد تتجلى في شكل عصاب، وهو نوع متطور من الخوف يدفع الإنسان للقتل أو الإنتحار، وينطبق هذا الإفتراض على الأفراد الذين عانوا من الحرب سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين.
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 