أخبار عاجلة

” أنا وليلى واليشمك “

” أنا وليلى واليشمك “

طارق غريب

 

كأن الحكاية تُفتح من طرف خيط حرير

يمتد من قلبي أنا طارق إلى نافذة ليل تستتر خلفها امرأة تعرف كيف تربّي النار في الصدر دون أن تُظهر شرارة واحدة

ليلى لم تكن اسماً

 بل ستاراً من نور ثابت فوق رأسي

واليشمك لم يكن قطعة قماش  

بل أماناً وفتنة مكتومة وسؤالاً طويلاً يهمس :

‘ من تلك التي تخبّئ وجهها كي لا ينهزم العالم أمام عينيها؟ ‘

كنت أمرّ كل صباح تحت شرفة 

لا أعرف لصاحبها اسماً

لكنني كنت أعرف شيئاً واحداً

أن وراء اليشمك الأبيض عينين تتابعان خطواتي 

بطمأنينة امرأة تعرف أكثر مما تقول.

لم تكن ليلى تُطل ، كانت تتوهج

ثباتها خلف القماشة الناعمة كان أشبه 

بوقوف زهرة في مهب ريح لا تخشى السقوط

كنت أسمع صمتها قبل أن أرى ظلها

وأشعر بشيء يسري في جسدي 

كلما تحركت أطراف اليشمك 

كما لو أنها موجة تسلمت سري وابتسمت

تعلمتُ منها أن الجمال ليس في الوجه

بل في القدرة على إخفائه

وأن الشوق ليس في الكلام

بل في تلك اللحظة التي يتأرجح فيها القماش قليلاً

فأظن أنها ستكشف شيئًا   

ثم لا تفعل

كنت أقول لنفسي :

لو ظهر وجه ليلى مرة واحدة فقط

لسقطت كل الممالك التي بنيتها داخلي

ولصار الطريق إلى بيتي أبعد

وصارت الأرض أخف

وصارت هي قدراً لا يُناقش

كانت ليلى تكتبني دون قلم

وتؤثث روحي دون أن تدخلها

وتُربي في رجلاً أكثر صبراً ، وأكثر توقاً 

وأكثر خشية من أن يسلم قلبه 

لامرأة يعرف أنه لن ينجو منها.

تعلّمت منها أن الغموض ليس لعبة

بل مدرسة كاملة في ضبط الوجدان

وأدركت مع الأيام أن هذا الستر 

الذي كانت تضعه فوق وجهها

لم يكن ليحجب جمالها

بل ليحمي قلبك أنت من أن 

يسقط مرة واحدة بلا رجعة

وفي يوم

تحرك اليشمك أكثر من المعتاد

وانسابت خيوطه كأن الهواء يتعلم 

للمرة الأولى كيف يداعب امرأة

رأيت طرف خدها ، مجرد طرف 

فانكشفت داخلي عشرون حرباً

وفتحت روحي أربعين نافذة

فهمت فجأة أن الجمال 

الذي ننتظره دائماً هو الذي لا يكتمل

هو الذي يعد ولا يمنح

يقترب ولا يهب

يربي العطش ولا يسمح بالماء

ليلى

وجهٌ خلق ليظل خلف اليشمك

ليس خوفاً من العالم ، بل رحمة به

بعد تلك اللحظة التي انزاحت فيها القماشة قليلاً

لم يعد الصباح كما كان

صار العالم كله يتهيأ للقاء 

لا ندري هل سيحدث 

أم سيظل معلقاً في العيون فقط

كنت أعبر الطريق ببطء غير معتاد

كأنني أريد أن أُمهل الهواء ليخبرها أنني قادم

وكنت أشعر من بعيد أن اليشمك يتحرك قبل أن أصل

وكأن القماشة نفسها تتهيأ لتستقبل حضوري

ولأول مرة ، سمعت صوت أنفاسها

لم تكن كلمة ، بل ارتعاشة خفيفة

كأن ليلى اكتشفت أن الرجل الذي 

تراقبه من خلف اليشمك

صار يعرف بوجودها

ويعرف أنّ هذا الستار الأبيض 

لم يعد حاجزاً ، بل جسراً.

بدأت أراها أكثر من ظل

أكثر من حركة قماش

أكثر من بريق عينين لا يظهران بالكامل

أصبحت حضوراً يسبقها ويلازمني

صرت أسمع وقع خطواتها خلف الجدار

أشعر بدفء يديها وهي ترتب القماشة فوق وجهها

كأنها تتجهز لحوار صامت بين روح وروح.

وتساءلت : هل تخشى أن يظهر وجهها لي؟

أم تخشى أن ترى في عيني ما يجعلها تفقد هذا الهدوء

الذي كانت تخبئه خلف طبقات من النور الأبيض؟

كنت أعلم أن كل يوم يمر يجعل المسافة بيننا أقصر

لكن اليشمك يظل يقف بيننا كقانون غير مكتوب

قانون الغموض الذي يمنح الحب سلطته

ويجعل الشوق يتضخم حتى يصبح وطناً كاملاً.

وفي مساء هادئ

حين هدأ الزحام ونزلت الشمس إلى آخر خطواتها

رأيت يديها تخرج من خلف الستار لأول مرة

يد رقيقة ، ثابتة 

كأنها تقول دو

ن صوت :

أنا هنا ، لكن ليس بعد

وكان هذا ‘ ليس بعد ‘

أجمل وعد أخذته في حياتي

تمت 

شاهد أيضاً

عودى بنيتى 

عودى بنيتى  بقلم صالح منصور    قالت وعينها تملئها الدموع  اى شيطان جعلنى احبك قلت …

الكاتبة والأدبية الكبيرة .. من سلسلة نساء بلا مأوى 

الكاتبة والأدبية الكبيرة .. من سلسلة نساء بلا مأوى  بقلم/ صبرين محمد الحاوي   عزيزي …